كتاب "نسيم الصبا" للمؤلف أبن حبيب الحلبي، يضم ثلاثين فصلاً في مقاصد مختلفة من الآداب، وموضوعات متعددة ينتظمها خيط الوصف؛ حيث تتناول بعض الفصول مفردات الطبيعة مثل الفصل الأول "في السماء وزينتها"، والفصل الثاني "في الشمس والقمر"، والفصل الثالث "في السحاب والم
أنت هنا
قراءة كتاب نسيم الصبا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
الفصل الثالث -في السحاب والمطر
إن الله تعالى حكم دائم النفوذ، وحكيم يهدي شفاء النجاة لمن به يلوذ. وله أسرار معناها دقيق، لا يفهمه إلا أرباب التحقيق. أمسك الغيث عن عباده في عام، فخاض كل منهم في بحر دمعه وعام.وساءت الظنون بضن السحاب، واشتاق النبات إلى سماع وقع الرباب. وظمئت الحياض، وعبست وجوه الرياض. واستدت العيون بالنقع المثار، وتعطلت من حلى المزن أجياد الأزهار. وذهلت العقول لفقد الصوب عن الصواب، وقص جناح السرور وطارت الألباب. وطوي بساط الإنبساط ووقع القول في هياط ومياط. وطالت عهود العهاد، وتأهبت الأرض للبس أثواب الحداد:
وأصابت نبت الربا فاصل عين شمس ... أورثته مذلة واصفرارا
كلما جال طرفها ترك النا ... س سكارى وما هم بسكارى
فبينما هم يجرون أذيال الكآبة، ويرفعون الدعاء إلى مواطن الإجابة، تداركهم الله بالطف الخفي، وانثال عليهم المن الحفي، ونظر الله عليهم بعين حكمته، وحرك ساكن الرخاء لتجري بنعمته، وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته، فمدت أعناقها، وجدت إعناقها وركضت عادياتها، وجرت على أحسن عاداتها، وسدلت من أرديتها الأردان، وارخت العنان في طلب العنان:
ورياح تبشر الأرض بالقطر ... كذيل الغلالة المبلول
ووجوه البقاع تنتظر الغيث ... انتظار المحب رد الرسول
فأقلت سحاباً ثقالاً، يستهل كرماً ونوالاً، مشكي الإهاب، خصيب الجناب، فسيح الرحاب، صادق الوعود، متلاحق الوفود، كثير الأعوان والجنود، يؤذن بالموارد الطامية، وشفاء الشفاه الظامية،وإثراء فقير الثرى، وإجراء دمعه أسفاً على ما جرى:
أكب على الآفاق إكباب مطرق ... يفكر، أو كالنادم الملتهف
ومد جناحيه إلى الأرض جانحاً ... وراح عليها كالغراب المرفرف
والرعد يزجره ويسوقه بين يديه، فإذا قصر صاح به وزمجر عليه، تارة يترنم كالحمام، وطوراً يزأر كالأسد الضرغام:
وكأن صوت الرعد خلف سحابة ... حاد إذا ونت النجائب صاحا