كتاب "نسيم الصبا" للمؤلف أبن حبيب الحلبي، يضم ثلاثين فصلاً في مقاصد مختلفة من الآداب، وموضوعات متعددة ينتظمها خيط الوصف؛ حيث تتناول بعض الفصول مفردات الطبيعة مثل الفصل الأول "في السماء وزينتها"، والفصل الثاني "في الشمس والقمر"، والفصل الثالث "في السحاب والم
أنت هنا
قراءة كتاب نسيم الصبا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
والبرق يلمع ويلمع، ويمنح ثم يمنع، كأنه ثغر أشنب، أو قبس يلتهب، أوحسام يمان، أو فؤاد جبان، أو سلاسل من ذهب، أو أشهب مال جله حين وثب أو أنامل بعض الحساب، أو حية تتلوى، أو كف خضيب يمد ويقبض، أو خود تعرض بعد أن تتعرض:
ترى الأرض منه وقد فضضت ... ووجه السماء وقد ذهبا
وقوس الغمام للجو نطاق، لا بل تاج على مفارق الآفاق، يزهو بلجَينه وعسجده، ويفخر بياقوته وزبرجده:
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض
فلما تراكمت السحائب، واجتمعت حولها الكتائب، واتسع صدرها، واستحكم أمرها، وحلق بالجو ناهضها واعترض في الأفق عارضها، ونصبت راياتها، وانتهت غاياتها، وآن رحيلها وتفريق شملها، وحان وضعها وفصال حملها، أجرت مدامعها، وردت ودائعها، وحلت نطاقها، وفكت أزرار أطواقها، وحثت الركائب، وأسبلت الذوائب، وسمحت بطلها وطشها، وسكنت رهج الغبراء برشها، وأروت الحرة برذاذها وهطلها، وأذهبت الحرقة بديمها ووبلها، وآثرت بجودها وجودها، ونثرت على بساط الأرض جواهر عقودها. " أبو هلال العسكري " :
تخال بها مسكاً وبالقطر لؤلؤاً ... وبالروض ياقوتاً وبالوحل عنبراً
كم أبدت إحساناً وبراً، وبردت من كبد حرى، وأسدت معروفاً، وأغاثت ملهوفاً، وساقت إنعاماً، وسقت حرثاً وأنعاماً، وكفت هماً حين وكفت، وقرطت اّذان الأغصان وشنفت، وأنشرت أمواتاً، وأخرجت حباً ونباتاً، ونشرت مطرفاً بعد الطي " وجعلنا من الماء كل شيء حي " وكم نقعت غليلا،ونفعت عليلا،وملأت حياضا، ونورت رياضا، وأذلت دراً مصوناً، وشرحت صدوراً، وأقرت عيوناً، وألبست الحدائق بروداً عليها طلاوة، وأهدت للزهر قطراً ظاهر الحلاوة:
ترى فواقعه في الأرض لائحة ... مثل الدراهم تبدو ثم تستتر
فأمسى الناس في عيشة راضية، يرفلون في حلل الرفاهية، أمرعوا بعد الضنك والشظف، وأخصبوا بعد الجدب والطفف، وأصبح محل المحل دارساً، ووجه الأمل يضحك بعد أن كان عابساً، وأخذت الأرض زخرفها بعد أن كان زرعها يهيج، واهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فثغورها مبتسمة، وفرائد قلائدها منتظمة، ونمارقها مدبجة، ورؤوس أشجارها متوجة، وغدرانها طافحة، ومخايل السعادة عليها لائحة، وألسنة أهلها مشتغلة بشكر علام الغيوب، وقلوبهم مطمئنة بذكره " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " .
يبدىء ويعيد، ويمتحن العبيد، ثم يفتح لهم أبواب جوده الوافر وفضله المديد. " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد " .