أنت هنا

قراءة كتاب محمد حسنين هيكل رجل كل العهود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد حسنين هيكل رجل كل العهود

محمد حسنين هيكل رجل كل العهود

في هذا الوقت, أي النصف الثاني من شهر مارس –آذار 2009 م, حيث كانت الجزيرة لا زالت تبث ومنذ مدة طويلة برنامج(مع هيكل، تجربة حياة) جاءت الساعة التي تحدث فيها هيكل عما أسماه الحق والحقائق التاريخية مركزاً على الجغرافية السياسية للأردن.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 1

مقدمة

كنت أنجزت كتيبي هذا ، وبدأت كعادتي أسعى لتأمين تكاليف طباعته ونشره، خاصة أن دور النشر لم تعد تهتم كثيرا حتى للكتاب المعروفين لان شراء الكتاب واقتنائه أصبح كأنه من الماضي، فكيف بكاتب متواضع مثلي.
في هذا الوقت, أي النصف الثاني من شهر مارس –آذار 2009 م, حيث كانت الجزيرة لا زالت تبث ومنذ مدة طويلة برنامج(مع هيكل، تجربة حياة) جاءت الساعة التي تحدث فيها هيكل عما أسماه الحق والحقائق التاريخية مركزاً على الجغرافية السياسية للأردن. وكان استكمال ذلك في الحلقة التالية . بدت بوادر أزمة بين الأردن وقطر تكاد تقع بحيث طلب من قطر وقف بث الحلقة التالية. وصل الأمر إلى حد التهديد بان الأردن قد يعيد النظر في مشاركته بالقمة العربية القادمة في قطر بعد أيام. وكان الرد الإعلامي والصحافي الأردني سريعا وعاليا.
أخرت كتابي هذا حتى لا يكون ضمن ردود الدفاع عن الأردن لأنني أولا لم أرَ الأردن موضع اتهام إلا بمقدار كونه جزءا من النظام العربي الشامل . ثم أن الوقت وما يحمله من انفعال الرد أو الردود قد لا يصبح قراءة عقلية وموضوعية فيكف يكون قراءة حقائق التاريخ. اضافة لذلك فإن أسبابي في التأخير كانت فيما يلي:
أولا: إن هيكل في الحلقتين تلك تناول بتركيز وضع الأردن السياسي وتحديدا دور الهاشميين وأكثر تحديدا دور الملك حسين وابرز اتصالاته المبكرة مع الأمريكيين والإسرائيليين، ولأنني في متن الكتاب كنت قد تطرقت إلى ذلك، لكن من نقطة غير التي نظر من خلالها هيكل فكانت الرؤيا –كما اعتقدت – أكثر وضوحا. بحيث جاء ردي في الكتاب على مقال مطول للسيد هيكل عن شخصية الملك حسين في كتابه (كلام في السياسة) وقد اشتمل على كل ما ورد في الحلقتين المذكورتين.
ثانيا: لو إن هيكل في حديثه عن الجغرافيا السياسية للأردن قد جاء في قراءة شاملة لكيفية بناء الحدود السياسية للوطن العربي ربما استقام الحال مع عدم نفي احترام الاختلاف في قراءة ذلك التاريخ. بمعنى أوضح, إن هيكل لم يشر إلى الحرب الكونية الأولى وكيف تم تشكيل الدول العربية ورسم حدودها وليس حدود الأردن وحدها تلك الحدود التي تأكدت بعد الحرب العالمية الثانية. فهيكل يعلم قبل غيره أن في الوطن العربي كله كانت معالم الجغرافية واضحة من اليمن إلى بلاد نجد والحجاز إلى بلاد الرافدين إلى بلاد الشام إضافة إلى المغرب العربي وان التقسيم السياسي للجغرافيا جاء بعد ذلك ولم يستهدف الأردن وحده.
لم يشر هيكل يوما أن الملك فاروق على سبيل المثال كان ملك وادي النيل أي ملك مصر والسودان فكيف إذن بعد الثورة التي أسهم فيها هيكل منذ ما قبل اليوم الأول لتصبح مصر دولة والسودان دولة ومن رسم الحدود بينها؟ ومن رسم خطا مستقيما يمتد في صحراء مكشوفة بين مصر وليبيا يزيد على ألف كيلو متر ليس فيه أي حاجز طبيعي يشير أن قوما عاشوا هنا تفصله عن قوم أو أقوام إلى الغرب أو الشرق.
كان هيكل في ذلك انتقائيا ولم يكن موضوعيا. كنت اسمع عبارة يرددها الملك حسين لازلت أحاول فهمها وهو المقل في الشرح غالبا. عندما كان يقول " أتمنى أن يكون حكم التاريخ لنا وليس علينا"
تحدث هيكل عن توقيع الملك حسين مع الرئيس عبد الناصر اتفاقية الدفاع المشترك قبل أيام من حرب عام 1967 م ودخوله الحرب رغم كل الاختلافات والتوترات والخصومات مع عبد الناصر ورغم معرفة الملك مسبقا بان الحرب لن تكون لصالح العرب. وترجم هيكل ذلك على أن موقف الملك كان تحت ضغط الشارع الأردني، لا ادري كيف حسبها هيكل عليه وليست له؟ في العدوان الأمريكي على العراق عام 1991 م رفض الملك أن يدفع بجيشه تحت الراية الأمريكية كما فعلت مصر وسوريا وكثير من الدول العربية وغير العربية...
لم يقدم هيكل أي شرح لهذا الموقف الذي اغضب الإدارة الأمريكية حتى يرد الملك "....أنني تعاملت مع خمسة رؤساء أمريكيين وتسعة وزراء خارجية..." كان الملك في العدوان الأمريكي العربي على العراق قد تطابق بالكامل مع كل أطياف الشعب الأردني وهو ما لم يحدث أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ؟
ثالثا: إن هيكل في أحاديثه المتكررة كما في مقالاته وكتبه تناول بالشرح والتحليل والوثائق المنتقاة، شأن الأمة كلها ضمن موازين القوة الدولية مع الاستناد إلى مصادره الأمريكية بالدرجة الأولى.
أما تركيزه على مصر فكان طبيعيا لان دور مصر كان له الأثر الأكبر فيما جرى من وقائع في حالة النهوض القومي والتحرر الوطني الذي قادته مصر بزعامة عبد الناصر. ثم انه أي هيكل لم يكن شاهدا فحسب وإنما مشاركا سياسيا في كل العهود بما في ذلك الانهيارات التي بدأت معالانفصال, مرورا بحرب اليمن إلى هزيمة حرب 1967 م.وأخيرا حرب 1973 كفصل أول في مسرحية لازالت أحداثها جارية حتى اليوم، مشاهدها ليست في خروج النظام المصري من حالة الصدام مع المشروع الصهيوني إلى حالة الوسيط ثم إلى الأقرب للمشروع الأمريكي الصهيوني وقد سبق كل النظام العربي في ذلك وانضم إليه بعد مسرحية أوسلوالنظام الفلسطيني المنسلخ عن المقاومة. كان هيكل ليس حاضرا في كل هذه التطورات وإنما مشاركا رغم كل ادعاءات الوعي بأثر رجعي.
رابعا: لم يكن هيكل صحافيا عاديا. بل أكاد اجزم انه شكل ظاهرة صحفيه يطمح إلى الاقتراب منها أو تمثلها من كل الصحفيين العرب وغير العرب ولا أظن أحدا في المجال العربي قد سبقه في ذلك. تسابقت عليه الصحف ولم يهرول هو نحوها. كل رؤساء الدول العربية والغربية وكل الإدارات الأمريكية حريصة على الحوار معه بمقدار ما هو راغب ومتحمس ليس للحوار معها وإنما لطريقه التفكير السياسي الأمريكي.
خامسا: إذا كان تعيين مراسلا لصحيفة كبيرة كالأهرام يستدعي موافقة رئيس الدولة كما أورد هيكل " موافقة عبد الناصر على تعيين علي أمين مراسلا للأهرام في لندن" وأن السادات أمر بنقل ثمانين صحافيا إلى وظائف أخرى. فكيف إذن تعيين رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة الأهرام؟ بالضرورة أن يكون جزءً من المنظومة المغلقة للنظام السياسي. أما إذا استدعى اضافة لذلك أن يكون وزيرا للإعلام أو الثقافة والإرشاد القومي فهو هيكل وهو الوحيد "الليبرالي في نظام شمولي فردي" حتى اليوم كما يورد هيكل نفسه في رسالته إلى الرئيس حسني مبارك نرى اليوم أن رئيس تحرير صحيفة مثل أسامة سرايا وقبله أنيس منصور وحتى مجدي الدقاق ليس أكثر من شاعر البلاط الذي يتغنى فقط بمكارم ومآثر القائد الملهم الساقط من السماء. لكن هيكل وللإنصاف كان الوحيد الذي انتزع لنفسه هامش حرية تسمح له بغير هذه الحال. هذا في مصر أما في غيرها من بلدان العرب فحدث بلا حرج مع استثناء بعض البلدان كلبنان والكويت سابقا ثم قطر حاليا.
سادسا: محمد حسنين هيكل الصحفي. كاتب المقالة الطويلة والقصة السياسية، لا يشق له غبار ولا يملك أحدا تقييمه، فكيف بكاتب متواضع مثلي. وهو أي هيكل الصحفي مهما علت درجة الاختلاف بينك وبينه لا تملك إلا أن تحترمه وهو على أية حال ليس موضع بحثنا. الذي يعنينا هو هيكل السياسي ليس إلا. حيث يعطي حق المواطنة العربية بل ويلزم محاسبة أي كان. صحيح انه لم يفصل يوما بين الصحافة والسياسة وكانت كل واحدة تعينه وتقويه على الأخرى ، هيكل لم يغب يوما عن الأحداث رغم أنه جاوز عقده الثامن ولا زال يتمتع بذكاء غير عادي ومقدرة على استحضار أدق التفاصيل رغم بعد الفواصل الزمنية في رواياته السياسية.
سوف لا اعتمد على خصوم هيكل الذين قالوا عنه وفيه الكثير لكنني اعتمد في الغالب الأعم في ما قاله هو عن نفسه، مع الانتباه إلى ما بين السطور.

الصفحات