أنت هنا

قراءة كتاب الزهد في الإسلام - قراءة في صفة الصفوة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الزهد في الإسلام - قراءة في صفة الصفوة

الزهد في الإسلام - قراءة في صفة الصفوة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد شرع لنا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم سنن الهدى، وخير الهدي هديه، وكان صحابته رضي الله عنهم التطبيق العملي للإسلام وفق التربية النبوية، وكانوا نماذج يقتدى بها ويهتدى بعملها

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8

نماذج من زهد الصديق

ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة نماذج من زهد الصحابة، ولنبدأ بأبي بكر، رضي اللّه عنه، خليفة رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)، وثاني اثنين إذ هما في الغار.
وها هو يذكر لنا زهده في الحياة ورغبته في فداء النبي (صلى الله عليه وسلم)بنفسه، ومن ذلك ما رواه عن أنس رضي الله عنه: قال: لما كان ليلة الغار، قال أبو بكر: يا رسول اللّه، دعني أدخل قبلك، فإن كان حية أو شيء كانت لي قبلك. قال: ادخل، فدخل أبو بكر، فجعل يلتمس بيديه، كلما رأى جحرا قال بثوبه فشقة، ثم ألقمه الجحر، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع. قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه. ثم أدخل رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم)، فلما أصبح قال له النبي(صلى الله عليه وسلم)، فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم)يديه وقال: اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة، «فأوحى اللّه عز وجل إليه إن اللّه تعالى قد استجاب لك».
فإن صح هذا الخبر، فهو نموذج من نماذج الفداء بالنفس لرسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)، وهو أمر غير مستغرب من أبي بكر، رضي اللّه عنه، ولا من الصحابة رضي اللّه عنهم.
ومن زهد أبي بكر رضي اللّه عنه، الجود بالمال جودا سبق به غيره من الصحابة. وها هو عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، يروي شيئا من ذلك. قال: أمرنا رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)أن نتصدق، ووافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما. قال: فجئت بنصف مالي. قال: فقال لي رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم): ما أبقيت لأهلك ؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا.
وهذا لون من ألوان الزهد الإيجابي والتنافس فيه، وهو الإنفاق في سبيل اللّه، ولا يعني أن أبا بكر رضي اللّه عنه قد ترك أهله بلا شيء، فهو تاجر، والتاجر يأتيه رزقه كلما تحرك في السوق.
ومن ألوان الزهد المرتبط بالمال إنفاقه في إعتاق الرقاب في سبيل اللّه، وكان لأبي بكر رضي الله عنه في ذلك باع طويل، وممن أعتقهم في سبيل اللّه، بلال بن رباح ،رضي الله عنه، اشتراه من سيده، وهو مدفون في الحجارة تحت ألوان العذاب في حر الشمس، ودفع فيه خمس أواق ذهبا. فقال له المشرك سيد بلال: لو دفعت فيه أوقية لبعناك إياه، فقال: لو أبيتم إلا مئة أوقية لأخذته.
وهنا نرى كيف تم تسخير المال المكتسب من التجارة، في سبيل اللّه، إنفاقا في الجهاد، ولكفاية المحتاجين، ولعتق الرقاب. ولو لم يكن لدى أبي بكر وغيره من المسلمين مال، ولو تركوا الدنيا وقعدوا فمن أين تسير مصالح المسلمين وكيف يقوم بعضهم ببعض؟.
وقد شهد رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)لأبي بكر فقال:
«ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر»
فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول اللّه..
ولا ينبغي لمتمسك بالجزئيات أن يقف على أقوال تنسب إلى الصديق وروى بعضها ابن الجوزي، يعمد بعض أهل الزهد السلبي إليها ويتخذونها وسيلة إلى ترك الدنيا، وينسون مسيرة أبي بكر كلها من إسلامه حتى وفاته، ومن ذلك قوله:
«لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن»
وقوله: «يا ليتني شجرة تعضد ثم تؤكل».
فإن صحت هذه الأقوال فإنها ليست مستمسكا لمن يريد الزهد السلبي.

الصفحات