الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد شرع لنا رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم سنن الهدى، وخير الهدي هديه، وكان صحابته رضي الله عنهم التطبيق العملي للإسلام وفق التربية النبوية، وكانوا نماذج يقتدى بها ويهتدى بعملها
أنت هنا
قراءة كتاب الزهد في الإسلام - قراءة في صفة الصفوة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نماذج من زهد عثمان بن عفان
عثمان بن عفان،رضي الله عنه، الخليفة الشهيد، الذي كان ضحية فتنة أصابت المسلمين، فطاشت لها العقول، بعد أن سرت في الأمصار، ودار بها أعداء للإسلام يوقدون نارها، لعلهم يقوضون هذا البنيان الصاعد، الممتد في الآفاق، تخفق عليه راية التوحيد.
عثمان بن عفان، الخليفة الثالث من الخلفاء الراشدين. حدثنا عنه ابن الجوزي في صفة الصفوة، وأورد لمحات من حياته، ونحن نتلمس ملامح الزهد فيها.
كان عثمان رجلا تاجرا، أنعم اللّه تعالى عليه بالمال الوفير. فكيف كان حاله مع المال؟.
لقد وقف ماله للّه تعالى، فما دعي إلى باب من الإنفاق فأحجم عنه، وها هو وقد حاصره أهل الفتنة في نهاية حكمه يشرف من قصره فينادي في المسلمين يذكرهم ببعض ما قدم من خير، ومن ذلك قوله:
«انشد باللّه من سمع رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)، قال: من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة فوسعت به المسجد».
وهذا باب من أبواب الخير سخر فيه عثمان ماله، وهو توسعة المسجد النبوي.
وقال مناشدا من سمعه :
«وأنشد باللّه من شهد رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم)يوم جيش العسرة قال: من ينفق اليوم نفقة متقبلة؟ فجهزت نصف الجيش من مالي» .
وهذا باب ثان من أبواب الخير أنفق فيه عثمان ماله، وفي هذا الإنفاق تفصيل ذكره ابن الجوزي: عن عبد الرحمن السلمي قال: خطب النبي فحث على جيش العسرة،
فقال عثمان: علي مئة بعير بأحلاسها وأقتابها.
ثم حث فقال عثمان: علي مئة أخرى بأحلاسها وأقتابها،
قال: ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث
فقال عثمان: علي مئة أخرى بأحلاسها وأقتابها،
فرأيت النبي (صلى الله عليه وسلم)يقول بيده يحركها: ما على عثمان ما عمل بعد هذا؟
إننا امام نموذج من المسلمين يقدم ماله في سبيل الله، ولا تشح نفسه به، ولا يستكثر شيئا يدفعه، ونجده يضع المال في كل وجه ينفع المسلمين، ومن ذلك أنه اشترى بئر رومة، وكانت بئرا طيبة الماء، يباع ماؤها للناس، فاشترى عثمان البئر وجعلها في سبيل اللّه.
ومن زهد عثمان رضي اللّه عنه، هذا التواضع في حياته، فقد كان من أعظم حكام زمانه، امتدت الدولة في زمانه شرقا وغربا وشمالا، ومع ذلك كان يقيل في الظهيرة أحيانا في المسجد، ويقوم وأثر الحصى في جنبه، ويجيء الرجل فيجلس إليه، يجلس مع الناس كأنه أحدهم، لا يستعلي عليهم بخلافة ولا بمال.
ويروي ابن الجوزي عن شرحبيل بن مسلم أن عثمان رضي الله عنه كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت.
إنها طيبة النفس، وتواضعها، والزهد في متاع الحياة الدنيا مع كثرته في يده.
ومن زهد عثمان رضي الله عنه في الدنيا كثرة صيامه، حتى إنه يوم قتله المبطلون كان صائما، ولقي اللّه شهيدا صائما.
إنه نموذج آخر للزهد الإيجابي، بالقيام بالدور المطلوب في الدنيا:
تاجرا كثير المال،
منفقا في سبيل اللّه،
خليفة للمسلمين،
يسعى جهده في رعاية أمورهم، ثم يقيم علاقته مع ربه علاقة يرجو بها ما عنده ويدرك حقيقة الدنيا ومتاعها الزائل.