لم أكتب هذه الرسالة لأنال بها درجة علمية فقد حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب عام 1957، كما أنني لم أكتبها لأكسب ثروة مادية أو شهرة معنوية، بل سلكت منهج من سبقني من الأطباء المسلمين الأوائل فدونت خبرتي في حقل الختان خلال مدة طويلة من ممارستي مهنة الطب العام
أنت هنا
قراءة كتاب رسالة في الختان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
إهداء
إلى ابني الدكتور خالد..
إن إهدائي هذا الكتاب لك، يختلف عن المألوف مما سار عليه المؤلفون في إهداء مؤلفاتهم؛ ذلك أني أهديتك أفكاري قبل أن أهديك كلماته.
من الثابت والمسلم به أن أحداً لا يُحبُّ أن يكون أحدٌ أحسن منه إلاّ ابنه فلو خُيِّر إنسان أن يكون أباً لعظيم أو ابناً لعظيم نعضّل الحالة الأولى لأنه يشعر أن تلك العظمة من صنع يده؛ وبذلك فيها استمرار وجود رغم العمر المحدود.
كنتُ أُحب أن يدرس أحد أبنائي الطبَّ، لأني درست هذا العلم رسالة لا مهنة أترزق منها في زمن كانت أبواب الجامعات في الخارج مفتوحة لكل من حاول الدخول إليها ودراسة الطب؛ فكان لابُدّ من معدلٍ عالٍ جداً ولابد من اجتياز الحواجز الكثيرة إلى من يتخرج طبيباً.
وأظن أن هذه الحالة ما زالت موجودة إلى هذا الزمن مع فارق كثرة عدد كليات الطب مع كثرة الجامعات في بلادنا وبالتالي ازدياد عدد المقبولين فيها.
وقد وفقك الله لدراسة الطب إذ كنتَ من الذين توافرت فيهم الشروط المطلوبة وتخرجت طبيباً؛ والذي سرّني أنك تجاوزت الحد الذي أنا وقفتُ عنده وتابعت أنت إلى الاختصاص، وهكذا عُدتَ بعد أن تخصصت في أحسن المراكز العلمية في اختصاصك لقد تميزت عن غيرك بأمر هام فقد أعجبتك مهنة أبيك وأنت طالب في المرحلة الثانوية حيث كنتَ تأتي إلى العيادة في العطلة المدرسية وتساعد الممرضة في عملها ثم أباكَ
في المرحلة الجامعية، ولهذا صارت مهنة الطب هواية عندك تقوم بها وأنت مسرور بعملك؛ وهذا الشعور بالرضى والقبول هو الشرط الرئيسي لنجاح الطبيب.
وهكذا وبعد سنوات عديدة قضيتها في الخارج للتخصص عدتَ لتعمل في عيادة خاصة؛ والعمل في العيادة الخاصة له عدة مواصفات، أولها: أن تكون مسلحاً بالعلم الغزير؛ وثانيها: الخبرة المستمرة؛ وثالثها: بتوفيق الله لك.
أنصحك بإتقان عملك «فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». وهكذا عليك أن تستمر بالمطالعة والمشاهدة وحضور المؤتمرات الطبية والندوات والمحاضرات العلمية. أعطِ نفسك علامة بعد كلّ مرض عالجته أو إجراء قمت به، وذلك لفترة تستمر مدة عشر سنوات من الممارسة الخاصة، فإذا لم تعجبك العلامة ابحث في نفسك عن سبب لذلك الضعف وحاول أن تكتشفه. كذلك حاول أن تستفيد من أخطاء غيرك «فالعاقل من اتعظ بغيره»، ولا تلومنّ أحداً إن أخطأ فالذي يعمل كثيراً يتعرض إلى الخطأ أكثر من الذي لا يعمل. وإذا اكتشفت أنك أخطأت فعليك تلافي الخطأ بسرعة فائقة وبأسلوب صحيح وأن لا يُعالج الخطأ بالخطأ؛ ويجب علينا أن لا نشيع أخطاءنا وأخطاء غيرنا فإن ذلك يقلل من قدسية المهنة في عقول الناس، اعمل على أن تستشير غيرك عند غموض التشخيص واطلب مساعدة غيرك عند وجود أية صعوبة في العمل، وتعاون مع غيرك في الإجراءات الكبيرة أو النادرة أو الخطرة؛ فما خاب من استشار، فحياة الإنسان أثمن من كل شيء. «ومن أحياها فأنما أحيا الناس جميعا».
وأنا أبوك أقسمت قبل خمسين عاماً وفي مثل هذا اليوم من هذا الشهر أمام رئيس الجمهورية العربية السورية وآلاف الحاضرين أن أستشير غيري عند غموض التشخيص وأن أتعاون مع غيري في معالجة الحالات الخطرة (كان هذا قبل وجود المستشفيات المتخصصة ومن فيها من الاستشاريين) وبفضل من الله لم أحنث بيميني منذ أول يوم تحملت فيه مسؤولية المعالجة وحدي – وحتى هذا التاريخ.
أريدك أن تكون طبيباً عالماً وجراحاً حاذقاً ولا أريدك جابياً، لا تجعل الثروة هدفك فإن الثروة تهرب من الذين يجعلون همهم الحصول عليها. لذلك لا يكون همك زيادة رصيدك في البنك بل اعمل على زيادة رصيدك من محبة الناس وقبولهم وإعجابهم بنتائج أعمالك؛ وهنا منهل الثروة والرصيد الذي لا ينضب للطبيب.
أنت تمارس عملك في عيادة خاصة أو مستشفى خاص ولذلك أنت تتحمل مسؤولية المريض وحدك وعليك أن تقوم بكل المراحل بنفسك أو بإشرافك المباشر تراقب يومياً تطور الحالة إلى الشفاء فلست في مؤسسة عامة أو تعليمية فلا تعتمد على غيرك.
في عيادتك الخاصة لا تفحص سيدة لوحدها إلا بوجود الممرضة، وإذا لم تكن موجودة فأدخل معها واحدة من أهلها اللواتي يرافقنها أو حتى واحدة من الحاضرات في العيادة في ذلك الوقت؛ وإياك أن تفحص سيدة أمام زوجها أو بنتاً أمام أخيها لأن ذلك من الأمور الحساسة والمرفوضة في مجتمعنا.
إن مهنتنا مهنة إنسانية وتتعامل مع الإنسان في أصعب ظروفه، وعلينا أن نتقبل المريض في كل حالاته؛ فمن المرضى من يحلو لسانه في المرض ومنهم من يسوء طبعه، فعليك أن تتقبل مريضك برضىً في الحالتين.
عالج من الفقراء مجاناً من «الذين تحسبهم أغنياء من التعفف» لا يسألون الناس إلحافاً" أما بقية الفقراء فلهم النصيب الأوفر من خدمات الدولة الصحية من وقاية وعلاج وحالات طارئة، فهي توليهم أهمية أكثر ما تولي الأغنياء؛ بل عالج مجاناً وساعد مالياً مرضى المؤسسات الخيرية غير الربحية، فإن تل المؤسسات تستحق منا الرعاية لديمومة وجودها.