قراءة كتاب 700 يوم في بغداد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
700 يوم في بغداد

700 يوم في بغداد

هذا الكتاب هو محاولة متواضعة لجمع تجارب امرأة عايشت الحرب في بغداد في وقت كانت فيه المدينة مستباحة للعنف والحرب؛ والموت يحصد مئة ضحية في اليوم الواحد.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

‫ـ‬ تعرفين، قال، كان الرفاق في المدرسة يعتقدون أني مسيحي‫.‬ ‬‬‬‬
ـ لماذا؟
ـ يعتقد العراقيون أن المسيحيين قوم محبون للسلام. فالمسيحيون العراقيون لا يتشاجرون وهم إجمالاً يتحلون بالأدب وحسن التصرف. وخلال أعوام الدراسة كنت دوماً أتجنب الخناقات وأبحث عن حلول سلمية لكل المشكلات.
ثم راح يريني فخوراً صور زوجته الجميلة ويحدثني عن أبويه اللذين انفصلا عندما كان صبياً يافعاً.
‫ـ‬ تشاجرت مع أبي وقاطعته لسنوات. لقد خذلني وتخلى عن أمي وتزوج بامرأة أخرى. لكني عاودت الاتصال به قبل سنتين بتشجيع من والدتي. إلا أن علاقتنا ليست متينة كما كانت من قبل.‬‬‬
نشأ سرمد في كنف أمه التي تنتمي إلى طائفة الفيليين؛ وهي طائفة من الأكراد الشيعة طردهم صدام حسين في الثمانينيات من القرن الماضي إلى إيران. والفيليون يعودون بأصولهم إلى جبال زاغروس التي تفصل بين العراق وإيران. وكان أجدادهم قد عاشوا في العراق لأجيال عندما قام الرئيس العراقي بسحب جنسياتهم العراقية منهم وسلبهم جوازات سفرهم ثم رماهم خارج البلاد.
وهكذا، وفي ليلة من دون ضوء قمر، أصبح عشرات الآلاف من الفيليين مشردين بلا هوية ويعيشون كلاجئين في مخيمات اللجوء في إيران. وراح رجال المخابرات العراقيين يطرقون أبواب الناس باباً باباً ويطلبون مراقبة أوراقهم الثبوتية للتأكد من مواطنيتهم على مدى أجيال. ووعدت أجهزة الدولة بدفع عشرة آلاف دولار لكل عراقي يطلق زوجة أو زوجاً من الفيليين.‬
‫ـ‬ والدايّ تطلقا بعد ذلك. طلاقهما لم يكن مرتبطاً بهذه الحملة الحاقدة. أظن أن أبي سئم من انشغال أمي بعملها في وزارة الشؤون المائية والكهربائية؛ وقرر أن يفتش عن غرام جديد مع امرأة جديدة‫.‬‬‬‬‬
مشكلتي الوحيدة مع سرمد كانت جهاز التبريد في الغرفة. كنت أطفئه كلما جلست إلى مكتبي وكان هو يشغله كلما خرجت إلى اجتماع عمل. كنت لا أقوى على التكيف بين نقيضين: جليد المكتب وجهنم الخارج. وجع الرأس لم يكن يفارقني؛ والرمال لا ترحم رئتيَّ المعطوبتين أصلاً بالربو.‬
وعندما وصلت ذات صباح إلى المكتب وحرارة أربعينية تلهب جبهتي أصيب سرمد بالذعر. أسرع إلى الكافيتيريا ليحضر إليّ أكواب الشاي؛ الواحد تلو الآخر؛ ووعد بألّا يشغّل جهاز التبريد بعد اليوم؛ وأن يتكفّل بتسيير أعمال المكتب لو أردت أن أخلد إلى سريري في الفندق.
غادرت المكتب متسلحة بالمضادات الحيوية وقدت سيارتي بجفون شبه مطبقة ورأس ثقيل باتجاه الرشيد.‫‬‬
اجتزت حاجز الأمم المتحدة ووقفت في الطابور أمام الحاجز الأميركي. وعندما رنّ هاتفي الجوال؛ ظننت لوهلة أن الزملاء في غرفة الاتصالات يذكرونني بوجوب التواصل معهم على الراديو. وبعفوية سحبت جهازي من حقيبة اليد وقبل أن تتسنى لي الإجابة وجدت سلاحاً نارياً مصوباً باتجاهي؛ والجندي الأميركي على وشك أن يضغط على الزناد. ارتعدت خوفاً. وانزلق الجوال من يدي ونظري متجمد على الجندي، أعد الثواني التي ستخرق فيها الرصاصة الزجاج الأمامي لتستقر في جبيني.‬ رفعت يدي عالياً باستسلام مطلق؛ فخفض الجندي سلاحه وأمرني بالتقدم. كان الأدرينالين يهتاج في جسدي كأمواج البحر العاتي ويسلبني كل قواي.‬ انتظرت نهاية التفتيش وأكملت سيري.
‫ـ هذه هي المنطقة الخضراء إذاً؛ تمتمت لنفسي. وها هي الأمثولة الأولى تأتي بمثابة الصفعة؛ كضربة على الرأس.‫‬‬‬‬
أسبوعان والإعياء لا يفارقني. وفي تقدير الطبيب أن الضغوط النفسية أثّرت لربما على جهاز المناعة؛ فنصحني بالراحة لمدة يومين في عمان.

الصفحات