إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة.
قراءة كتاب سلطة التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
مقدّمة
إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة. صناعة التاريخ هي سباق الأمم لتحقيق ما تتطلبه مصالحها وأمنها وقوتها واقتصادها، ونظراً لاختلاف المصالح وتعارضها تصطرع الأمم، لذا تندفع لتطالب بحقوقها، ونتيجة هذا التجاذب بين الدول القوية والدول الأضعف تتشكّل حركة التاريخ. وتبدو العلاقات بين الأمم على شكل صراع أو حوار أو تكامل، وقد يكون الصوت العالي شكلاً من أشكال الحوار، بل تصبح حركة التاريخ ذاتها شكلاً من الحوار. وتتفاوت الأمم في امتلاكها مقوّمات القوة وعناصرها، مثلما تتفاوت في قدرتها على استثمار هذه المقومات والعناصر، وهكذا، تتشكّل صورة التاريخ في الأذهان، فقد يبدو عادلاً أو ظالماً، وقد يكون عاقلاً أو مجنوناً، وقد يكون شابّاً أو على هيئة شيخ عجوز، وغير ذلك من صور.
هذه مجموعة من الدراسات حول الرواية العربية كتبتُها على فترات، يجمع بينها أن الشخصيات الروائية فيها في صراع مع التاريخ، وهي تعيش في دوامته وتسعى إلى أن تشارك في صناعته في رحلتها نحو التغيير والبناء، غير أن حركة التاريخ أقوى من قوتها بما لا يجعلها تكسر سلطانه، فسقط كثيرٌ منها في مصيدة التاريخ وصارت ضحايا بعد أن مارسَ سلطانُ التاريخ عليها سلطتَه. وهكذا جاء صوت الضحيّة طاغياً.
شخصيات الروايات التي خضعت لهذه الدراسات مهمّشة، همومها جماعية إنسانية، قضاياها قضايا أمم تسعى نحو تغيير واقعها، وهي تصطدم بالنظام العالمي الجديد/ القديم الذي تمثّل في ثياب القشتال والصهاينة والاستعمار الغربي والأمريكي، مثلما تصطدم مع الأنظمة السياسية وقوى التخلّف والتقاليد البالية المعيقة لحركة التقدم، وهي في هذا السبيل إنما تدافع عن القيمة الإنسانية في مواجهة الجمود والظلم والاستحواذ والتخلّف، وتسعى نحو الحرية والعدالة والسلام. وركّزت الدراسات على لحظات الانكسار على الرغم من لحظات التوق إلى المستقبل والجديد والحلم.
في الدراسات استدعاءٌ للتاريخ وإسقاطه على قضايا الحاضر، وفيها تحديق ببعض الظواهر الاجتماعية الفاسدة وإدانة لبعض الممارسات السياسية.
توقفت الدراسة في الفصل الأول عند رواية "باب الشمس" عند المعاناة الحقيقية التي عاشها أبناء النكبة إلى حدّ يعيد معاناتها من يقرأ الرواية مرة أخرى. تبدّت المعاناة جرّاء الصراع العربي الإسرائيلي والنكبة الفلسطينية في عبارة الرواية الأولى "ماتت أم حسن، ماتت أمّنا"، وفي قول أمّ حسن (فلسطين لن تعود قبل أن نموت جميعاً)، وفي زغردة أمّ أحمد السعدي وهتافها (انتصرنا وصار عندنا مقبرة)، وفي قول شخصية ناقدة (عيبٌ أن لا نكتب تاريخنا نحن). لقد رسمت الرواية واقع الهزيمة إلى جانب صور البطولة والأمل والانتماء والتعلّق بالوطن المحتلّ. وهكذا كانت "باب الشمس" بوّابة الوعي بالسقوط وإيماناً بتجاوز مرحلة الهزيمة من أجل بناء العالم الجديد "باب الشمس" في الأرض المحتلة. كما نتحدث عن "سلطان التاريخ" حسب ما ذكر هرنشو، وعن "حكم التاريخ".