قراءة كتاب سلطة التاريخ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سلطة التاريخ

سلطة التاريخ

 إذا كان للتاريخ سلطان، فمن الطبيعي أن تكون له سلطة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
-1-
 
الحكـي والحكايـة :
 
تحكي رواية "باب الشمس" التاريخ النضاليّ الفلسطينيّ، منذ ثلاثينات القرن الماضي إلى التسعينات منه، وما تعرّض له أهل فلسطين في بعض البلدان العربية من مذابح، كمذبحة صبرا وشاتيلا. ويذكر الكاتب في الصفحة الأخيرة من روايته أنه اعتمد على شهادات الفلسطينيين وحكاياتهم الشفهّية، وعلى ما وقع بين يديه من وثائق وكتب تؤرّخ للثورة الفلسطينية في تاريخها المعاصر.
 
وعلى الرغم مما في هذه الحكايات من "تخييل" فإننا لا ننكر "تاريخيّتها"، فقد استند "التخييل" إلى "التاريخ" في الوقت الذي أُلبس فيه "التاريخ" ثوب "الحكاية" التخيّليّ الفنيّ، مما حوّلها تقنيةً فنيةً ووسيلةَ تعبير عن قسوة التاريخ وتنكيله بضحاياه. وقد اعتمد المؤرّخ الإسرائيلي جورج سقب على قيمة الرواية التاريخية في نقده لهذه الرواية، ووقف عند بعض أحداثها بوصفها وقائع حقيقية(2).
 
استطاع الكاتب أن يحوّل "الحكاية" إلى أداة فنيّة تجمّعت من خلالها حكاياتٌ متناثرة تؤكّد المصير المشترك لشعب مضطهد محتلّ، فكانت لسانَ حال الضحيّة في زمن دخول المشروع الفلسطيني في السبات، فأشتات الحكايات تكوّن الحكاية الفلسطينيّة الكبرى. كما استحالت الحكاية إلى "علاج"، فكانت من أدوات "إيقاظ" يونس وإنقاذه من الغيبوبة. والخلاصة، أنّ "الحكاية" كانت بوحاً واستنطاقاً لما في أعماق الشخصيات، وكانت بعثاً لحكايات ربما كانت ستضيع في متاهات الصمت، فضلاً عن أنّ الحكايات يضيء بعضُها الآخر. إنّ الرواية التي نحن بصدد دراستها رواية حكايات(3)، يظهر ذلك من خلال شخصياتها، وقد أشار الراوي غير مرة إلى أنّ جدّته أغرقته بالحكايات (إنّ القصص كالخمر تتعتّق حين تُروى. جرار القصص روايتها؟)(4).
 
لقد تأثّرت السردية الحكائية في رواية "باب الشمس" بالسرديّة الحكائيّة العربيّة التراثية، كاستخدامها صيغة "كان يا ما كان في قديم الزمان"، وصيغة "من الأول"، وب "تناسل" الحكايات كتناسل حكايات "ألف ليلة وليلة"، مما قاربَ بينها وبين عالم الخيال واللامعقول، وبين ظواهر من الغرائبية والعجائبية والأسطورية والملحميّة، واختلط فيها الواقع بالخيال، والحلم بالحقيقة، والوعي باللاوعي، حيث يتساوى القصّ بالواقع، ويصير الذي كان كأنه ما كان، والذي ما كان كأنه كان، من غير أن تخلو الرواية من الروح النقدية الساخرة حيناً، أو أن تضيع الحقيقة وسط ركام الحكايات حيناً آخر.
 
لقد تأثّر قصّ إلياس خوري بقصٍ أشبه بحكايات "ألف ليلة وليلة"، على الرغم مما بين القصّين من مفارقات بين: ليالي العشق وليالي الموت، وبين الحرص على حياة الذات الراوية/شهرزاد، والحرص على حياة الآخر أو المتلقي المفترَض/ يونس، الغارق في غيبوبته.
 
نشير في صدر هذه الدراسة إلى أنّ شخصيات شعبيّة تولّت القصّ الحكائيّ، فتعدّدت بذلك مصادر قصّ الحكاية الواحدة وأساليب قصّها وربما مضامينها أحياناً. لقد أصغى النصّ إلى بوح أبناء هذه الفئة واستمع إلى صمتهم، وتعاطف معهم وهم يعيشون المآسي التي تعرّضوا لها.
 
وقد تعدّدت التسميات التي استخدمها الدارسون في الإشارة إلى هذه الفئة، من فقراء وفلاحين وعمّال، وإلى دورها الكبير في صناعة التاريخ وتوجيهه، فقد أشار غرامشي Gramsci إلى ظاهرة "الثانويين"Subaltern، وعدّ الاهتمام بها مما يميّز الوعي التاريخي الحديث. كما استخدم إدوارد سعيد تعبيرات "التابعين" و "الفقراء المهمّشين" و"الأصوات المُستثناة"، وبيّن أن الاهتمام بهذه الفئة هو بعث الحياة في صمتهم وذاكرتهم، مثلما هو وعيٌ بأهمية الذاكرة الشفوية وإعادة بناء ما تمّ تدميره أو استثناؤه من خلال الصمت(5).
 
من هذه الشخصيات "الشعبيّة" أو "الثانوية" أو "المهمّشة" أو "الأصوات المستثناة" نجد الشخصية المريضة والضحيّة والمشوّهة والمشلولة "يونس والراوي خليل المصاب بالعمود الفقري"، كما نجد الشخصية المكسورة "دينا"، ونجد الهائمة والمجنونة، وشخصيات تعاني أزمة "فَقْد" الأبناء والآباء "أم حسن التي فقدت أربعة" و"أم أحمد التي فقدت سبعة" و"يونس الذي قتل اليهود ابنه إبراهيم"، و"الراوي خليل الذي قتل اليهود والده قبل أن يراه"، وأخرى تعاني من الشيخوخة والعمى "والد يونس" وشخصيات تعاني من ضياع أحد الوالدين "اختفاء والدة الراوي"، وشخصيات نجت من بطن الموت مثل "يونس" و"سليم ودينا" اللذين عُثر عليهما حيّين بين جثث قتلى مذبحة شاتيلا.

الصفحات