تجلى زهير جبوري وهو يطير مع لقلقه المعجون بطيبة بكر، وعوالم كأنه يستقدمها من ألف ليلة وليلة، شاحذا قدرة الشاعر لديه على خلق عوالم ساحرة أخاذة، تجعلك تنهب مسارات النص نهبا وأنت تفتش عن اللقلق لتحس أمانك ودفؤك في ظل وجوده.
أنت هنا
قراءة كتاب قلب اللقلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
قلب اللقلق
الصفحة رقم: 7
أشجار الفاكهة اليابسة رغم ذلك لم ترسم مخيلته للشحاذين صورة تدلّ على تأثير الساعة على حياتهم، إذ إنّ الجوع، كان يقول ذلك بأسى، سوف يطحن أحشاءهم فيضطرهم للنهوض بحثا عن كسرة خبز أو طاس من اللبن الخاثر والذي كانت تجلبه النساء القادمات من القرى المجاورة للكاظمية، هذه المبالغة في الخيال، تعني شيئا واحدا، أنّه مغرم بهذا الاختراع المذهل إلى الحد الذي يعتبره واحدا من أهم كائنات المدينة والذي ينبغي تبجيله، بل إنّه من الواجب الخشية عليه من المرض أو حتى من الغبار، من سموم القيظ أو ريح الشتاء الشمالية الغربية، لذلك فقد كان يعبر في صيغة أخرى خاصة بعد استيقاظه الكامل وهبوطه إلى الشارع عن احترامه لتلك الماكينة العجيبة، والتي تضبط الوقت مثل بوق عظيم ينفخ الحياة معلناً بداية يوم جديد مشحون بأحلام مؤجلة ربما وجدت لها منفذا في صفحة هذا النهار، لكي تتسرب وتصل، هذه الساعة هي صمام أمان اعتمد عليه الموظفون والعمال من مخاطر الكسل، بل إنّ القلق نفسه، طالما حاول تحفيز مخيلته المدعومة بالأساطير التي نسجتها حكايات الشيوخ عن تاريخها لتشكيل صورة تقريبية عن كيفية صناعتها، بل إنّه كان يتمنى أن يكون شاهدا على ذلك اليوم الاستثنائي الذي تم فيه نقلها والصعود بها إلى أعلى البرج ثم تثبيتها بهذا الموقع البهيّ، خاصة تلك التي في الجهة القبلانية والتي زين جدار البرج الذي وضعت في أعلاه بتلك النقوش الكاشانية الرائعة والزخارف اللازوردية، كان في كلّ مرة لا يستطيع منع نفسه من إلقاء نظرته عليها إنّها نظرة كتلك النظرات التي ترافقها الابتسامة التي يصنعها الشعور بالمحبة للأشياء العزيزة لنقل إنَّه وكسلوك ثابت، توفرت بشكل دائم عنده تلك الرغبة بالنظر إلى أعالي البنايات والأبراج المنائر، ولطالما تمنى أن تكون له أجنحة حقيقية كتلك التي شاهدها قبل استيقاظه، لقد كانت نظراته، تسكر بتفاصيل تلك الجولة اليومية في سماوات بغداد، خاصة عندما يكون قريبا من النهر، يراقب الطيور التي تقطع ضفتيه، باتجاه الشمال والجنوب، على كلّ حال، كانت الأهمية تنحصر في ذلك النوع الساحر منها، الكائن ذي العنّق الطويل الذي أحدث تحولا في حياته، لنقل إن اسمه نفسه ارتبط بوجود ذلك الطائر الذي قذف في روحه ما يمكن تسميته بالتوهج دافعا إياه ليكون عاشقا للحياة والحرية، إنَّ المشاعر الإيجابية التي تجعل من الهمة لا تخبو، أقصد عدم القبول بأقل ما ينبغي أن يكون لك، هو أول الدروس التي تعلّمها من هذا الطائر المعتدّ بنفسه والذي يمتلك معرفة لذاته جعلت من هجرته المتواصلة تعبر عن حاجته لتأكيد وجوده الحر ورفضه، لكلّ ما يشكل خطراً على إرادته، على كل حال، اللقالق لا تأتي دائما، هذا ما اكتشفه بعد سنوات طويلة من مراقبته اليومية لها،رغم ذلك اعتاد على انتظارها كلّما سنحت له الفرصة، حتى في السنوات ألأخيرة، حافظ على تلك القدرة العجيبة بالوقوف على قدم واحدة وكأن هذا السلوك ما هو إلا تغذية لتوهجه الداخلي واستحضارا دائما لروح هذا الكائن الحر المستعد دائما للطيران، إنه في حركة كهذه يزجّ روحه في عمل مثابر متواصل من أجل الوصول لغاية واحدة هي مرتبة الإشراق، تلك الومضة النورانية التي ستتوج رغبته بأن يكون لقلقا حقيقيا، حيث يمكن له وقتها أن يفرش ذراعيه ويطير.