"الوطن العالمي الإنساني"، يعتبر هذا الكتاب ثورة إنسانية شاملة على المنظومة الاقتصادية، والسياسية، والعقائدية التي تتحكّم بالعالم.
أنت هنا
قراءة كتاب الوطن العالمي الإنساني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
من الحالة الفردية الهمجية.. إلى الحالة المجتمعية
عاش الإنسان القديم قَبل نشوء المجتمع حالة بدائية فردية. وكان يعمل وفق مَصالحه الخاصَّة، حيث لا أخلاق ولا قوانين تحكم تصرُّفاته. فعاش مع عالمه المحيط حالة عداوة تسكنها شريعة الغاب (القوي يأكل الضعيف). وكان عُرضة دائمة للخطَر من قِبل الحيوانات المفترسة، وحتى من قِبل البشر الآخرين. وكانت حياته قاسية جداً، بحيث أنه لم يستطع توفير حاجاته الأساسية بشكل دائم. فالنضال الفردي من أجل البقاء كان صعباً جداً عليه. لهذا لجأ ذاك الإنسان إلى التعاون مع الناس الآخرين من أجل حماية نفسه من الحيوانات المفترِسة، ومن أجل صيد أوفر، وتوفير حاجاته بشكل أفضل.
وهكذا تطوَّرت الحالة الأصلية إلى حالة شبه تعاونية..
ثم إلى حالة مجتمعية بدائية..
ثم إلى حالة مجتمعية متطوِّرة كما هي اليوم.
..
إن حالة التعاون هذه أوجدت أعرافاً مشتركة، إلى أن تطوَّرت وأصبحت قوانين، وهذا ما أوجَب حماية هذه القوانين ومراعاتها للحفاظ على هذه الحالة الجمعية والتعاونية المفيدة للإنسان. ومع تطوُّر هذه القوانين المواكِبة لتطوُّر حاجة الإنسان إلى التعاون، وتطوُّر الوعي الجمعي لديه، وجد الناس آليَّة لفرض هذه القوانين وحمايتها من خلال سُلطة حاكمة وقادرة. واعتبر توماس هوبز(**) أن السُلطة هي الشيء الوحيد الذي يقف بيننا وبين «العودة إلى الهمجية». فنشأت صيغة تعاون جمعية سمِّيت بـ(العقد الاجتماعي) بين الأفراد لكي تحوِّل الحقوق الطبيعية للفرد من الشكل المشاعي إلى حقوق مدنية مشروطة بحقوق الآخرين.
وهكذا تحوَّل الإنسان من الحالة البدائية الفردية إلى الحالة الجمعية من فرد.. أفراد.. جماعة.. جماعات.. عشيرة.. إلى تجمُّع عشائر.. دولة.. إلى تحالف دول.
والجدير ذكره هنا أن الدول في عصرنا هذا لا تزال تعيش حالة «بدائية» من التطوُّر، تشبه إلى حدٍّ بعيد الحالة البدائية الفردية التي عاشها الإنسان البدائي القديم؛ فكل دولة تعمل على أساس مصالحها الخاصَّة في عالم تتزاحم فيه العداوات والتحالفات والحروب الباردة والساخنة، ويفتقد الأخلاق، والعدالة، والمساواة الحقيقية. فهذه الدول لا تتورَّع عن خرق المعايير الإنسانية، وحتى القوانين الدولية من أجل مصالحها.
ففي هذا العالم المقسَّم تعيش كلّ دولة حالة عداوة، أو أقلُّه، حالة تنافسية سلبية مع بقية الدول. والعلاقات فيما بينها تحكمها «شريعة الغاب» (القوي اقتصاًديا، ثقافياً، أو عسكرياً.. يأكل الضعيف). وكل دولة هي عُرضَة دائمة للخطر من قِبَل الكوارث الطبيعية، والكوارث «غير الطبيعية»، والحروب، والأمراض، والإفلاس الاقتصادي. فتعيش الدول في هذا العصر، كما عاش الإنسان البدائي القديم، حياة قاسية جداً، بحيث أن معظمها لا يمكنه توفير حاجاته الأساسية بشكل دائم، وخصوصاً عندما تناضل كدولة منفردة من أجل البقاء.
وبما أن هذه الحالة تُعتبَر صعبة جداً على كلّ دولة على حدة، لا بدّ من إنشاء دولة إنسانية عالمية تضمُّ جميع شعوب العالم المتعاونة بعضها مع بعض من أجل مواجهة التحدِّيات المعاصرة الكبيرة التي تواجه الإنسانية على هذا الكوكب.