"القضاء والانتهاكات الحكومية لحقوق الانسان "، هذا الكتاب يوضح الكيفية التي اهتم بها الأفرقاء الناشطون والقانونيون من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية التي تأتي كنتيجة لتأمين العدالة القانونية والقضائية المتمثّلة في فقرات الدستور القانونيّة التي تعنى بحقوق الإنس
أنت هنا
قراءة كتاب القضاء والانتهاكات الحكومية لحقوق الانسان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

القضاء والانتهاكات الحكومية لحقوق الانسان
والفقرة الثالثة من ديباجة العهدين التي تتحدث عن مجتمع الأحرار الذين ذهب عنهم الخوف وتحرروا من الفاقة، إنما بنت تلك الصفات للمجتمع البشري على الاعتراف الأولي والأساسي بالإنسان كما ورد في الفقرتين الأولى والثانية من الديباجة. ففي هاتين الفقرتين شروط الاعتراف بإنسانية الفرد وهي:
احترام كرامة الإنسان المتأصلة في خلقه وما ينبثق منها من حقوق إنسانية متساوية مع الآخرين وثابتة له لا تعصف بها العواصف السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وكذلك احترام سلطات البلاد لكرامة الفرد والإيمان الكامل بأصالتها لدى المخلوق البشري وتساويه مع الآخرين.
إن الحقوق والواجبات التي تشمل الحكام أنفسهم هي الشروط الأساسية لمجتمع الأحرار وهو مجتمع الأمن والأمان من الخوف والفاقة ومجتمع الكفاية في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وهي الركائز الأساسية للتقدم والرخاء.
وقد سعت دول أوروبا الغربية لإقامة هذا المجتمع المتقدم من خلال تدابير حيوية بدأت بإنشاء مجلس أوروبا عام 1949 لتشجيع التعاون بين الدول الأعضاء على التقدم والرخاء وبناء مجتمع ديمقراطي يقوم على حرية الرأي والتعبير وتعدد الأحزاب السياسية وتنافسها في الحكم وتداول كراسي السلطة بينها للإدارة الحرة للشعب في انتخابات حرة نزيهة تكفل دائماً غلق الأبواب أمام الدكتاتورية والاستبداد واحتكار السلطة. وفي ظل هذا المناخ الديمقراطي أبرمت دول غرب أوروبا الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1950، ولو لم تفعل ذلك لكانت أجهزة أوروبية لرد الحكومة إلى حظيرة الاحترام الكامل لحقوق الإنسان في مواجهة السلطات، مما أشاع جواً عاماً من الإحساس بقيمة الإنسان في مواجهة السلطات وبقيمة انتمائه إلى مجتمع الأحرار القادر على مشاركة الحكومات في مسيرة الإنتاج والتقدم والرخاء. وقد استثمر قادة أوروبا هذا المناخ العام الإنساني الديمقراطي الحر لإذكاء روح المشاركة الشعبية العامة في دفع عجلة الإنتاج بإنشاء منظمة أوروبية إنتاجية في عام 1951 متمثلة في جمعية الفحم والصلب الأوروبية ثم في إنشاء الجمعية الاقتصادية الأوروبية والجمعية الأوروبية للنشاط الذري عام 1957 حيث حققت تلك الجمعيات أهدافها العظيمة خلال السنوات الماضية وأصبحت أقوى كتلة اقتصادية في العالم وأكثر الجماعات الإنسانية إحرازاً للتقدم بالنسبة إلى مواطنيها في جميع المجالات، وخصوصاً في طفرة الزيادة في دخلها القومي والخدمات الاجتماعية والإنسانية التي يتلقاها المواطن الأوروبي من الحكومات وأنظمتها القانونية.
وفي مقابل هذا النجاح العظيم لمجتمع أوروبا الغربية كان الانهيارلمجتمع منظمة الكوميكون التي نشأت عام 1949 بين الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية كما كان الانهيار الشامل لنظم الحكم الشمولية في أوروبا الشرقية في نهاية الثمانينيات من هذا القرن وانتهاء احتكار الأحزاب الشيوعية للسلطة وسقوط أيديولوجيات ومفاهيم عاشت عليها أوروبا الشرقية عشرات السنين بعد الحرب العالمية الثانية مع نتيجة واضحة للتخلف الاقتصادي والاجتماعي والعجز الشديد عن الإنتاج لدرجه العوز لمساعدات أوروبا الغربية المترفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وهذه المفارقة بين المجتمعين هي حصاد التطبيق السليم لمضمون الفقرات الثلاث الأولى في ديباجة العهدين الدوليين لحقوق الإنسان فبقدر تنفيذ هذه الفقرات بدقة في مجتمع أوروبا الغربية كان إهدارها في مجتمع أوروبا الشرقية. لقد شهدت دول الاتحاد السوفياتي قسوة نظم الحكم الشمولية التي جرت فيها مذابح التصفية الجسدية لخصوم النظام إبان حكم ستالين وغيره، واستمر نظام الحكم الشمولي في سيطرة الحزب الواحد سيطرة لا تفسح مجالاً لحرية الإنسان في الرأي والتعبير وحقه في تداول السلطة من خلال أحزاب سياسية ديمقراطية تشعره بأنه شريك في الحكم وليس مجرد رعية لحزب السيطرة الأبدية. وهنا يكمن الفرق الأساسي بين مجتمع أوروبا الغربية ومجتمع أوروبا الشرقية.إنه الفرق بين مجتمع الأحرار المشاركين في الحكم والمتحررين من الخوف والفاقة والمتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبين مجتمع الحرمان من هذه الصفات الإنسانية. ولأن المجتمع الأول هو البيئة الصالحة لإرساء قيم الانتماء الوطني والتفاني الإنساني مع المجتمع إنتاجاً وتقدماً ورخاء لذلك فقد حقق ذلك المجتمع كل ما شهدت به حقائق العصرمن نمو وتقدم ورخاء، بينما فشل مجتمع الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية في تحقيق مثل تلك النتائج لضعف إنتاج شعوب كنتيجة حتمية لضعف إحساسها باحترام أنظمة حقوق الإنسان مما يقلل من درجة إحساس المواطن بإنسانيته أو فقده هذا الإحساس تماماً عندما يكون مهدداً بإهدار حقه في الحياة أو تعريضه للتعذيب الوحشي أو إهدارحق شعبه كله في تقريرمصيره كما حدث بالنسبة إلى قمع ثورات شعوب المجر وتشيكوسلوفاكيا وبولندا ورومانيا ويوغوسلافيا. وهكذا كان تخلف شرق أوروبا حصاداً منطقياً لعصور انتهاك حقوق الإنسان. وكان تقدم ورخاء ورفاهية مجتمع أوروبا الغربية حصاداً طبيعياً لاحترام حقوق الإنسان. وبمعنى أوضح كان الاعتراف بإنسانية الفرد في أوروبا الغربية مدخلها الطبيعي منذ نهاية الأربعينيات للتقدم والرخاء والرفاهية. وعلى العكس من ذلك، كان ضعف الاعتراف بإنسانية المواطن في أوروبا الشرقية متمثلاً في عدم التقدير الكافي للكرامة المتأصلة في المخلوق البشري وحقوقه المتساوية كمقدمة ضرورية للمجتمع الحر المتحرر من الخوف والفاقة... كان ذلك سبباً رئيسياً في انعزالية المواطن ولامبالاته وضعف إنتاجه وتلك كلها مظاهرلضعف الانتماء إلى الدولة. وماحدث في أوروبا الشرقية من انهيار للنظم وتخلف في مستوى حياة الإنسان حدث ويحدث في مناطق أخرى من العالم.
وتقدم حياة الشعوب في التسعينيات من هذا القرن إجابة واضحة للفقرات الثلاث الأولى في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان لعام 1966 فالدول التي اعترفت بإنسانية مواطنها وبتقديس كرامته المتأصلة في خلقه واحترام حقوق الإنسان بكل ما تشمله من معان، وأقامت مجتمع الأحرار المتحررمن الخوف والفاقة، استطاعت أن تهيئ الظروف الضرورية لنهضة المجتمع الإنساني صاحب الوفرة في الإنتاج والرخاء والتقدم والاستقرار والسلام. أما الدول التي عجزت عن تقديم ردود إيجابية عن الفقرتين الأولى والثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرات الثلاث بالعهدين الدوليين فقد عانت التخلف والانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتحقق فيها ما ورد في الفقرة الثالثة من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول: (ولما كان من الأساسي أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى الاستعانة بالتمرد على الطغيان والاضطهاد)..
إن الذين صاغوا هذه الفقرة الثالثة في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 تتحقق رؤيتهم في دول انتهاك مفاهيم حقوق الإنسان في شرق أوروبا وغيرها من دول العالم التي سادتها الاضطرابات تمرداً على الطغيان والاضطهاد لحقوق الإنسان كما تقول الفقرة الثالثة من الإعلان.