كتاب "ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين"؛ ...وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة.
أنت هنا
قراءة كتاب ثورات العرب في القرن الحادي والعشرين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المقدمة
التغير ميزة الطبيعة البشرية الفطرية ومتطلبات التطور التاريخي، وهو سنّة كونية وحتميّة تاريخيّة لا مناص منه إن عاجلاً أو آجلاً؛ فهو سنّة الحياة وسيرورة التاريخ المتحرك المبني على التغيير والتجديد، لأن الطبيعة لا تحتمل الجمود والركود والفراغ المخالف لسنن الحياة، فالظروف تتبدل والأحوال تتغير، حتى الحيوانات لا تلبث حتى تُغيّر شعرها أو وبرها أو صوفها وحتى جلدها شأن الأفعى مثلاً: فتتخلص من جلدها بعملية الانسلاخ للتخلص من الثوب القديم المملوء بالطفيليات؛ فالتغيير والتجديد ضرورة إنسانية وحيوانية وجمادية وهو أهم ملامح الحياة ومظاهرها. قال تعالى:(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [سورة آل عمران: الآية 140] إما أن يكون التغيير من الأسوأ إلى الأفضل والأحسن والأكمل نحو التقدم والصعود وهو من طبيعة الشعوب وما تتوق له، إذن فالتغيير للأفضل يتعلق بمدى نوعية فلسفة التغيير وفهم الواقع، ومدى صدق الرجال وقيمهم ومسار تغييرهم والتزامهم بقواعد سنن الاجتماع ووعيهم بالأخطار المحيطة بهم. فالتغيير للأفضل والخير ظاهرة صحية وهو مطلوب؛ لأن البقاء للأصلح وليس للأقوى، لأن الفساد في الأرض والظلم والاستبداد عرض طارئ ومرحلة هشة. قال تعالى(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)[سورة الرعد: الآية 17].
أما أن يكون التغيير إلى سيء أو أسوأ بالانقضاض عليها من المفسدين أو بسياسة الاحتواء والالتفاف عليها، فتصبح المحصلة في درجة الصفر وتعود الأوضاع إلى المربع الأول أو أسوأ، وقد يصطبغ مشروع التغيير بسلسلة من أعمال التخريب والدمار لهشاشة البناء الاجتماعي الذي كان حصيلة لأنظمة متعفنة ربّت أجيالاً على الحقد بين طوائف المجتمع للتشويش على مطالب الشعوب المشروعة مستعملة الأزلام من المرتزقة للدخول في صراع دموي مع الشعوب من أجل توريطهم وإيهامهم بإمكانية الحلّ الأمني، وبأن لا استقرار بعدهم. وقد يحدث التغيير بالقوة نظراً لإيمان مجموعات به نتيجة معتقدات أفرادها وتصوّرهم أو بسبب حسن النية والحماسة المفرطة وعدم فقه المنهج التغييري، أو استدراج الاحتجاجات السلمية لعسكرتها لتبرير استخدام القوة. لذلك من الخطأ أن نضع الثورات في قالب واحد، لأن لكل ثورة خصائص من حيث طبيعة النظام وتركيبة المؤسسات الأمنية والعسكرية، ومن حيث الواقع الجغرافي، ومن حيث النسيج الطائفي والقبلي والعرقي، وهذا لا يعني أيضاً الفصل بين القواسم المشتركة للشعوب من حيث الخصائص والإحساس، والشعور المشترك كوحدة واحدة في الأهداف الجوهرية للتحرر من الاستبداد والظلم، ويتم ذلك وفق مفهوم منهج سليم وصحيح في مفهوم الحرية ومفهوم حرية المواطنة لحصانة الوطن، لأنهما أساس مشترك لصمّام أمان الوحدة الوطنية بإعادة الأمور إلى نصابها.
فلا استغناء لأحدهما عن الآخر بالكف عن إلحاق الأذى والضرر بتفكيكهما أو بطغيان أحدهما على الآخر، وهو الحل الذي يصون الطرفين من الانقضاض الداخلي والأجنبي، وهذا التحرر الحقيقي من الأنظمة السلطوية العربية، والتحرر من الأنظمة الغربية الخادعة بشعار الديمقراطية بقيادة أمريكية أو الأنظمة الغربية الشرقية الانتهازية بقيادة روسيا الاتحادية. قال صبحي غندور: «إن الفهم الصحيح لمعنى «الحرّية» هو في التلازم المطلوب دائماً بين «حرّية المواطن» و«حرّية الوطن» وبأنّ إسقاط أيٍّ منهما يُسقط الآخر حتماً. فهل ما يحدث الآن في المنطقة العربية هو تعبيرٌ عن هذا الفهم الصحيح لمعنى الحرّية؟! طبعاً، من الخطأ وضع كلّ الثورات والانتفاضات العربية في سلّةٍ واحدة، ثمّ تأييدها والتضامن معها تبعاً لذلك. فالمعيار هو ليس المعارضة فقط أو أسلوب المسيرات الشعبية، بل الأساس لرؤية أيٍّ منها هو السؤال عن هدف هذه الانتفاضات، ثمّ عن هويّة القائمين عليها. فمنذ انطلاقة الثورة التونسية أولاً، ثمّ المصرية لاحقاً، تأكّدت أهميّة التلازم المطلوب بين الفكر والأسلوب والقيادات، في أيِّ حركة تغييرٍ أو ثورة وبأنّ مصير هذه الانتفاضات ونتائجها سيتوقّف على مدى سلامة هذه العناصر الثلاثة معاً[1].
إن التطرف في التغيير في العالم العربي على الخصوص كان نتيجة الاستبداد الفكري والثقافي والفساد المالي والسياسي في غياب العدل..لذلك كان التطرف في هذا العالم أقوى شراسة من التطرف في العالم الغربي، لأن الغرب لا يزال يُحدّث ويتحدث بالغزو بل يقاتل من أجل مصالحه. هذا القتال الذي لا يزال الغرب يحافظ عليه هو في منهجنا الإسلامي المسمى «باب الجهاد» وحذفه من قاموس المناهج التربوية ومن الواقع مما شجّع التطرف في البلدان الإسلامية والعربية على الخصوص، لأن الله الذي خلق النفس البشرية هو الذي شرّع هذا الفرض، لأن هناك نفوساً لا تريد الحياة وتعشق الشهادة في سبيل الله، فلا يمكن أن نسقط هذا المفهوم من القاموس الإسلامي وغلق الحدود على من يريد الشهادة من أجل فلسطين، بل أصبح الاستخفاف بالمقاومة من بعض الزعماء شيئاً طبيعياً؛ فالغرب لا يسمي ذلك غزواً ولا حتى قتالاً أو بالأحرى «محاربة الإرهاب بعدما صنعوه»[2] .