رواية "إيقاع العودة"؛ سيطر عليّ إحساس غريب لم أعرف ماهيته، كثير من الوجع يلازمني، وقليل من الملل يحاصرني، وعيناي مسكونتان بالتعب، أشعر بخدر كثيف يتسرب داخل جسدي، سرحت مع أزيز الطائرات المسائية، همست في أذن الليل قائلة: «تعال يا ليل خليك معايا عايز أشكي ليك
قراءة كتاب إيقاع العودة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
– إن زحمة الحياة ومشاغلها أحياناً لا تعطينا مساحة كافية للتأمل في هذه المشاهد..
- معك حق بكل تأكيد يا صغيرتي..
كم أفتقدها الآن وأتمنى ألا يطول غيابها.. فقد كانت شخصيتها مرحة ومحبوبة إلى أبعد الحدود، قالت لي ذات مرة:
- أعذريني أكثرت عليك بالحديث، تعلمين ثرثرة الكبار.. أنتِ من القليلين الذين أتكلم معهم، أبنائي مشغولون بحياتهم وبمشاكل أطفالهم الصغار..
ودعتني بعناق حار في ذلك اليوم ثم قبلت رأسها وانصرفت بهدوئها المعتاد.. كانت أنوش تذكرني بجدتي، تجمعهما صفات عديدة مشتركة وخصوصاً في سرد القصص.. كانت جدتي تمتعنا بقصصها وحكاياتها التي لا نمل سماعها وحكمها البالغة، وكان لها أسلوب مميز في الحكي ووصف الأحداث بدقة متناهية.. كانت جدتي تستمد حكاياتها من مدينة دنقلا التي ولدت ونشأت فيها، ولم تغب عن ذاكرتها حتى فارقت الحياة..
تحفظ تاريخها وتراثها وأحاجيها وأساطيرها وأغانيها وعاداتها وتقاليدها وأمثلتها، كنا ننظر إليها بإعجاب ودهشة، ونسألها ببراءة كيف تحفظين كل هذه الأشياء في ذهنك يا جدتي؟
كانت تبتسم وتقول لنا: كانت حياتنا بسيطة، وغير معقدة مثل زمنكم المسخوط هذا..
كم نفتقدك الآن يا جدتي.. رحلت وتركت خلفها مساحة شاسعة من الحزن والفقد، حتى الإنسانة التي كانت تذكرني بك اختفى أثرها، وغاب وهج حضورها المشرق من الحديقة الخضراء..
يا جدتي أنوش.. لو كنت أعلم أن ذلك اللقاء سيكون الأخير بيننا لكنت جلست معك حتى المساء.. وودعتك بعدها بكثيرمن الحزن والأسى.
تذكرت كلام الجدة أنوش عن الدمار والخراب هناك في بلاد الشام.. ظل مشهد ذاك المغني الذي قطعت حنجرته في ذهني لأيام وليال طويلة لم تفارقتي قط.. أشعر بمرارة وعبرة في حلقي.. فاجأني عامر بالنص الذي أرسله لي عبر الإيميل قبل يومين، كان يدور حول الموضوع نفسه وكان عنوانه (صوت الغائب وحوار الأشباح)..
(ذات شتاء قارس وظلام دامس، كان يتردد من على البعد صوت أهازيج وإيقاعات لا يعرف أحد مصدرها، هل هي من عالم الجن أم الإنس؟ وأكثرما كان يزعج أحد الضباط أن الصوت حرمه النوم فترة طويلة...
يتردد صدى صراخ عالٍ وأصوات تهتف بشدة وبصورة هستيرية:
حرية
حرية
حرية
الضابط يقول بدهشة وحيرة:
- ما هذه الأصوات التي تصرخ في أذني؟
وأكاد أشتم رائحة دم بشري طازج..
- أي أصوات وأي دماء؟ لم أسمع شيئاً سيادتك..
ربما تكون مجرد أوهام في رأسك..
- ماذا؟ أوهام في رأسي يا ابن الكلب، هل تصفني بالجنون؟
- معاذ الله يا سيدي، ربما ضميرك فقط يؤنبك لمنظر الدماء التي سالت من حنجرة ذلك المغني الذي ذبحته يوم أمس بيدك بدم بارد...
- وأنت أين ضميرك أفي إجازة يا وغد؟
- أنا أنفذ أوامركم فحسب...