رواية "إيقاع العودة"؛ سيطر عليّ إحساس غريب لم أعرف ماهيته، كثير من الوجع يلازمني، وقليل من الملل يحاصرني، وعيناي مسكونتان بالتعب، أشعر بخدر كثيف يتسرب داخل جسدي، سرحت مع أزيز الطائرات المسائية، همست في أذن الليل قائلة: «تعال يا ليل خليك معايا عايز أشكي ليك
قراءة كتاب إيقاع العودة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- لو أمرتك أن تخرج مسدسك الآن وتفرغه في رأسك الفارغ هذا هل ستفعل؟
- أخرج الجندي المسدس ببطء ونظراته مصوبة نحو عيني الضابط مباشرة:
سأفعل يا سيدي بكل تأكيد.. لكن اسمح لي أن أقول إنني سأفرغه في رأسك الفارغ المليء بالأوهام.... وبعد أن استقرت عدة طلقات في رأس الضابط... غسل الجندي يديه وقال في سره:
- دام الوطن للجميع.. والآن إلى طريق الحرية، الحرية، الحرية..
في ذلك الوقت كانت الأرض مغطاة بالدماء، الأحجار تنظر بذهول إلى هذا المشهد العبثي وتقول لنفسها: أيها الإنسان هنيئاً لك بورطتك الأبدية، أما أشلاء الضحايا المتناثرة على الطرقات فكانت تردد بخشوع:
دمي فوق يدي
وكفني فوق جسدي
وحتماً سينتصر موتي.
كنت محتاجة أن أتمشى لبعض الوقت، وقد أراحتني تلك اللحظات التي خرجت فيها من البيت.. أشعر بمفعول الأدوية والعلاج يتسرب داخل جسدي.. اتجهت صوب أحد المحال المختصة ببيع أدوات الرسم، اشتريت بعض الأدوات التي كانت تنقصني.. أتمشى على مهل وذهني شارد في البعيد ترافقني أغنيات في المحمول أكسر بها حاجز الملل والرتابة والصمت..
ألمح بعض المتسولين يستجدون عطف المارة الذين في غالب الأحيان لا يأبهون لهم.
عازف ساكسفون ضرير ينثر ألحاناً عذبة في حضرة نهار صيفي متخم بمشاهد البهجة في وجوه المارة والعابرين.. عند الناصية الأخرى من الشارع فرقة من هنود الأمازون يقدمون مقطوعة رائعة ذات شجن وحزن عميق، صفق لهم الحضور بعد انتهاء المقطوعة..
سألت نفسي: هل تجمّع حزن العالم كله في هذا الطريق؟.. وقفت أستمع إليهم حتى النهاية إلى أن عرضوا بعد ذلك ألبوماتهم للبيع بأسعار زهيدة اشتراها الجمهور بلهفة شديدة...
تذكرت أنني أمتلك بعضاً من ألبومات موسيقى الهنود الحمر اشتريتها مرة في ساحة الدام الشهيرة في مدينة أمستردام..
صديقتي هيلين فنانة هولندية درست معي في أكاديمية روما للفنون الجميلة، حفزتني لسبر أغوار الهنود الحمر، وكنت قد التقيتها العام الماضي في أحد معارض الفنون المشتركة بمدينة أمستردام.. إضافة إلى كونها فنانة تشكيلية فهي باحثة ومتخصصة في تاريخ الهنود الحمر، وكانت مهووسة بكل بشيء يسمى الهنود الحمر، تحفظ تاريخهم على ظهر قلب وتعتبرهم عالمها الأول والأخير..
معظم رسومها مستمدة من حياتهم ومعاناتهم الطويلة.. وعندما دعتنا مرة لزيارة بيتها في مدينة هارلم.. اندهشنا من ديكور بيتها الذي يبدو وكأنه متحف عن الهنود الحمر.. سألتها ذات مرة ما سر شغفك الكثيف بهم؟
صمتت فترة ثم قالت لي: أشعر في كثير من الأحيان أن جذوري تعود إلى عالمهم الساحر..
شاهدت فيلماً عندما كنت صغيرة ترك أثره العميق في نفسي وغيّر نمط حياتي رأساً على عقب، ومنذ تلك اللحظة أصبحت حياتهم جزءاً مني وصرت جزءاً منهم...
للحقيقة، لقد أضاءت لي هيلين جوانب كثيرة كانت معتمة وغير معروفة بالنسبة إلي عن عوالم الهنود الحمر.. وقد كتبت عنهم عدة أبحاث نشرت في مجلات علمية متخصصة.. إضافة إلى محاضراتها التي تلقيها في عواصم عديدة من العالم.
تبقّى أسبوعان لموعد تسليم أعمالي واللوحات للمشاركة بها في متحف لندن التاريخي، ضمن أسبوع الثقافة النوبية القديمة (رحلة في أعماق الحضارة النوبية القديمة) أنجزت سبعة أعمال وتبقى ثلاث لوحات، بالإضافة إلى تصميم مجسّمين والإعلانات المعلقة..
كانت أوقاتي موزعة بين الرسم والقراءة والكتابة والتدوين.. تأتيني الأفكار في كثير من الأحيان من عوالم قصية نابعة من دروب الأحلام الرحبة.. هل كنت قد نذرت نفسي للحلم وللريح والقلق..
عند عودتي إلى البيت جلست على الأريكة ثم أدرت جهاز التسجيل، جاء صوت المطرب محمد منير ليعم أرجاء المكان، ويضفي على النفس لحظات طرب شجية وساحرة..