"حياتنا الصغيرة"؛ تمكنت فدى جريس في قصصها القصيرة من التغلغل في الحياة اليومية في قرى الجليل، وعكستها بإمتياز في نص صريح، غير متعال، ومعبر عن النبض الفعلي لما يعيشه الناس. إن هذه القصص القصيرة هي "الثقافة الصغيرة" التي تميز الحياة اليومية.
أنت هنا
قراءة كتاب حياتنا الصغيرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فتح التلفزيون فقال المذيع: "قتل اليوم ستة أشخاص في حادث سير في..." فزفر قائلاً: "لا حول الله..." وأدار المحطة، ليجد شخصاً آخر يتكلم عن الارتفاع المترقب في الأسعار فتساءل رامز بانزعاج: "كمان مرّة؟ وبعدين معكم؟ نقعد بلا أكل يعني؟!" ثم علا صياحه: "وين الكلسات؟!!" فهرولت ابنته مسرعة والجوارب في يدها. "ساعة؟ لازم أقول كل إشي مرتين؟! شو هالعيشة هاي؟!!"
جاءت زوجته بالشاي. هي فقط التي تفهمه وتشعر به. إنّ حنانها وحبها هما ما يصبّره في الحياة. جلست بجانبه ورشف من الشاي وهو يتمتم: "يسلّم إيديكي..." ثم اقترب منها راغباً في لحظات من السلام والهدوء. أدارت محطة التلفزيون إلى أغنية قديمة لشادية وجلسا في سكون، وسخونة الشاي تسري في جسده. آه، إنّه بحاجة لهذه اللحظة... أمسك بيدها وسرت بينهما نظرة دافئة. بدأ يسترخي وعيناه تغمضان في شبه إغفاءة. لكن فجأة سمع صوت طرق عنيف على الباب وصراخًا من الخارج فهب مذعوراً وهرع إلى الباب ليفتحه، وإذ بجاره أبي أمين يستغيث: "أبو حاتم... إلحقني! الشرطة أجت توخد الولد - صاحب الشغل متهمه بسرقة مصاري!"
- "الله لا يعطيه العافية! ما لقى إلا أمين؟"
- "دخيلك الحقني – الولد مش قد الحبس!"
- "خمس دقايق بس أغيّر ثيابي وباكون عندك!" هرع إلى الداخل وزوجته تهرول وراءه حيث ارتدى ثيابه على عجل وخرج مسرعاً إلى بيت الرجل. هناك أبلغه الشرطي أن لديه أمراً بإلقاء القبض على أمين بتهمة سرقة مبلغ كبير من المال، فقال له رامز منزعجاً: "لا بد انه فيه خطأ... الولد بسيط وعلى نياته يا أخي ومش ممكن يعمل هيك عملة!" لكن الشرطي اضطر لتنفيذ الأمر وأمر الشاب أن يدخل السيارة وأمه تبكي وتصرخ والتمّ الجيران وحاول رامز استعطاف الشرطي الذي قال له: "إذا عندك شي تعال عالمخفر أعطي شهادتك والصبح بحلّها ألف حلال."
استقل رامز سيارة أبي أمين وقام بالقيادة وجاره بجانبه فالرجل متوتر جداً. حين وصلا إلى المخفر انتظرا أكثر من ساعة ثم أدلى رامز بشهادته قائلاً إنّ الشاب كان معه طيلة النهار وأشاد بحسن سلوكه وتأكده التام أنه ليس السارق. ثم أمضى طريق العودة محاولاً تهدئة أبي أمين الذي كاد أن يبكي بسبب تركه ابنه في الحجز، فالولد ذو قدرات عقلية محدودة ولا يفهم ما الذي يحدث بالضبط وهو بالتأكيد في حالة رعب وعدم استيعاب، لكن أحداً هناك لن يشفق عليه. حاول رامز تهدئة جاره قدر الإمكان قائلاً له إنّه سيذهب معه إلى المخفر في الصباح. ثم قفل عائداً إلى بيته في المطر وهو يرتجف ويتمتم: "وبعدين مع عيشتنا..."
حين أدار المفتاح في الباب كان يحسّ بشيء أقرب إلى الدوار. الساعة الآن تقارب منتصف الليل وهو مستيقظ منذ تسع عشرة ساعة. دخل بتثاقل وإعياء كامل وارتمى على الأريكة رافعاًً قدميه فاستيقظت زوجته التي كانت تغفو على الكرسي وقالت له بصوت متعب: "يعطيك العافية... شو عملتوا؟" تمتم: "خير إن شاء الله،" ثم لم يحسّ بشيء. لكنها أيقظته وقالت: "رامز... خرّب خزّان الميّ... فشّ ميّ سخنة، لازم نصلّحوا بكرا!"
أبقى عينيه مغلقتين. قبل أن يغط في سبات عميق سمعته يتمتم بصوت خافت...
"وبعدين..... مع... عي....شتنا"