"حياتنا الصغيرة"؛ تمكنت فدى جريس في قصصها القصيرة من التغلغل في الحياة اليومية في قرى الجليل، وعكستها بإمتياز في نص صريح، غير متعال، ومعبر عن النبض الفعلي لما يعيشه الناس. إن هذه القصص القصيرة هي "الثقافة الصغيرة" التي تميز الحياة اليومية.
أنت هنا
قراءة كتاب حياتنا الصغيرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- "ولو! اتفضّل!"
- "فوزي، شو كان شكري وأخوه يعملوا عندك ليلة امبارح؟"
حسناً. لقد فهم.
- "أبداً. جايين بدهم اصواتنا."
- "وشو قلتلهم؟!"
- "ما فشروا!"
تنهد جاره بارتياح. لكن القلق عاود وجهه ثانية. "بس طوّلوا عندك!"
- "ما هو لأني ما قبلت. ظلوا يعيدوا ويرغوا لحد ما بالآخر قلتلهم بالمشبرح – يا جماعة الحكي ما في منه فايدة. شو هذا يا جار؟ ما بيحلّوا!"
وافقه سليم: "آه والله. شكري مفكّر حاله قدّ الرئاسة!"
- "مزبوط. شو هاي الناس؟ مش طالع من البيضة وبدو يصير زعيم!"
ضحك سليم ومضى خارجاً إلى عمله وهو يهمس لفوزي: "على فكرة سألتلك الجماعة، وقالوا لي طلبك عنّا."
- "من دون طلب يا جار! انتو على عيني وراسي! الله معك!" ثم حين خرج سليم، أطرق مفكراً وهز رأسه مغتبطاً: "هاي واحدة ضمنناها."
لكنه لم يستطع التركيز في عمله ذلك اليوم. كان في دوامة من التفكير. لقد عرض عليه شكري نفس المبلغ إذا استطاع فوزي إقناع أي من إخوته بالتصويت معه. أي أنه إذا أحضر إخوته الثلاثة ممكن أن يحصل على ما يقارب التسعين ألفاً! زاغت عيناه لمجرد الفكرة. لكنه... لا يستطيع فعل ذلك فسينكشف أمره. إذ سينقل إخوته لحاتم (إذا رفضوا) عدم نيته التصويت معه، وبالتالي سيخسر حاتم. تساءل وهو في حيرة شديدة: وماذا إذا خسرته؟ ثم تمتم لنفسه: "شوي شوي يا فوزي... إذا سقط شكري وجماعته رح تطلع فاشوش... والمرة الجاي ما حدا رح يصدقك. خلّيك العب ع صغير وما تطمع. بيكفيك اللي أخذته لحد الآن!" لكنه لم يتمالك نفسه من أن يزفر: "بس آخ... لو أضمنهم هذول الكلاب!" مشيراً إلى إخوته!
ظل في هذا الحال من الحيرة والتقلب إلى أن وصل البيت. كان مرهقاً مشدود الأعصاب، فهو يشعر بإغراء شديد تجاه المبلغ من جهة وبحرصه على حماية نفسه وعدم كشف أوراقه من جهة. استلقى على الكنبة ونام إعياءً وهو مقتنع بوجوب السكوت للحفاظ على مصلحته.
حين أغمضت عيناه أحس بيد توقظه، وإذ بقريبه يقف فوق رأسه بما يشبه الاعتذار بينما زوجته تقول: "اتفضّل صبحي، اتفضّل!" نظر فوزي إليها في حنق قائلاً في سره: "يعني ما كنتي تعرفي تصرفيه وتخلّيني أرتاح؟" لكنه اجتر ابتسامة معتدلاً في مجلسه ومرحّباً بقريبه الذي جلس سائلاً إياه على الفور: "شو أبو الفوز؟ فكرت بالموضوع؟"
- "أكيد. ولا يهمك. قررت أصوّت معكم هاي الجولة!"
تهللت أسارير الرجل وهو يقول فرحاً: "واحنا عند وعدنا! بارك الله فيك! بس رح تقدر توقف قدام حاتم ضوّ وجماعته؟ خاصة انه أخوتك كلهم مصوّتين معه!"
- "لا ضوّ ولا عتمة! عيب يا زلمة!"
فقال له الآخر: "قدّها وقدود يا أبو الفوز. رح تنبسط كثير معنا. الدكتور كمال فشّ زيه! لازم أروح، عن إذنك. ورانا شغل كثير مثل ما بتعرف."
- "آه طبعاً! الله يوفقكم! رح ننجح بهمّتكم إن شاء الله!"
بعد يومين كان متربعاً على الأريكة ثانيةً يتفرج على مسلسل مع زوجته ويرقب الشارع من حين لآخر حين عاد شكري لزيارته. هب فوزي واقفاً وهو يؤهّل بحماس: "يا أهلاً وسهلاً! زارتنا البركة!" ثم لزوجته: "حضّري العشا بسرعة!" فضحك شكري قائلاً: "لا يا فوزي مش كل مرة! فنجان قهوة ومنكون ممنونين!"
جلسا وكعادته دخل شكري مباشرة في الموضوع.
- "فوزي، أنا زلمة واضح وصريح وباحب الناس الواضحين معي."