كتاب "الأسرى الأحرار - المجلد الأول"؛ الأسرى الأحرار صقورٌ في سماء الوطن، إنه كتابي، وسجل ذكرياتي، وذاكرة أيامي التي أفخر بها وأعتز، فهي جزءٌ عزيزٌ من حياتي، ورصيدٌ كبيرٌ راكمته في عمري، فكان أساساً لرأس مالٍ عز أن يخسر، نما مع الزمان، وكبر مع الأيام، واست
قراءة كتاب الأسرى الأحرار - المجلد الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فلسفة التعذيب في «المفهوم الإسرائيلي»
التعذيب والإهانة والإساءة والقتل والغدر هي سماتٌ يهودية قديمة، امتازوا بها أكثر من غيرهم، واشتهروا بها عن سواهم، نشأوا عليها واعتادوا على ممارستها قديماً وحديثاً، وهي الترجمة المباشرة للكره والحقد والضغينة، إذ لا يحمل اليهود حباً للآخر، ولا يثقون في غيرهم، ولا يحبون الخير إلا لأنفسهم، فكان تعذيب الآخر في مفاهيمهم هو الوسيلة الفطرية للتعبير عن حقدهم وحسدهم وغيرتهم، وهو الوسيلة الأنجع لحرمان الآخرين من حقوقهم، وإجبارهم على التنازل عنها، أو الاعتراف ببعض الأسرار التي يحتفظون بها، خصوصاً أن اليهود قد اشتهروا بحب المال، والتعامل بالربا، وهم يسعون لاكتسابه وجمعه بكل الطرق والوسائل، وهي صفةٌ في اليهود يذكرها الغرب في كتبهم، ويؤكدون عليها في رواياتهم، فكان التعذيب والابتزاز إحدى أهم وسائلهم في تجريد الآخرين من أموالهم ومقتنياتهم، حتى ولو أدى التعذيب إلى القتل.
أما الحركة الصهيونية فقد اعتمدت التعذيب منذ بدايات تشكل المشروع الصهيوني، وبداية التفكير في الأحلام الصهيونية، فمارس أفرادها مع الآخر سياسة الترغيب والترهيب، أما الترغيب فكان من نصيب القوى الاستعمارية الكبرى، وأصحاب القرار الدولي الذين ساعدوا في هجرة اليهود إلى فلسطين، أما الترهيب والتعذيب والقتل فكان من نصيب أصحاب الأرض، وسكان المنطقة، وإن كان التعذيب قد أخذ شكلاً واحداً وهو الحرمان من الحقوق، والإحساس بفقدان الأمن والاستقرار، لدفع السكان على الهروب والهجرة والرحيل، وترك الأرض والممتلكات خوفاً من القتل والذبح الذي اشتهرت به العصابات الصهيونية.
التعذيب في «المفهوم الإسرائيلي» ثقافة وفكر، وعادة وتقاليد، بدليل أن الذين يمارسونه في السجون والمعتقلات ضد الأسرى والمعتقلين، ليسوا جميعاً محققين أو حرّاساً، بل إن جميع من يتعامل مع الأسرى والمعتقلين من المحققين والجنود والحراس والإداريين وعمال النظافة والأطباء والممرضين والسائقين وغيرهم، كلهم يمارسون التعذيب ويتفننون به، ويساهمون جميعاً في تعذيب الأسرى والمعتقلين والإساءة إليهم، ويرون أن من لا يقوم بدوره في تعذيب المعتقلين فإنه لا يكون مخلصاً «لدولة إسرائيل»، ولا يعمل من أجل «شعب إسرائيل»، وقد بدأت «إسرائيل»، بعد تأسيسها مباشرة بممارسة واستخدام التعذيب بأشكاله المختلفة، الجسدية والنفسية بحق الأسرى الفلسطينيين،ولم يكن التعذيب في أي يوم من الأيام في «السجون الإسرائيلية» حالة نادرة أو شاذة أو استثنائية، بل كل المعلومات والمعطيات تشير إلى أنه سياسة ونهج ثابت.فصحيح أن من يقوم به ويمارسه، هم رجال المخابرات من محققين وغيرهم،ولكن هذا النهج والسلوك مغطى من المستوى السياسي والجهاز القضائي،حتى أن أطباء وممرضي المعتقلات، والذين يفترض أن يكونوا مهنيين، ولهم دورهم الإنساني،كثيراً ما يكون دورهم مشاركاً ومكملاً ومتستراً عما يمارس بحق الأسرى من تعذيب وتنكيل. لهذا حول «الإسرائيليون» أسرّة المستشفيات إلى أسرة تعذيب، وغرفها إلى زنازين، وجعلوا من الحراسة فرصة للتعذيب، ومن الترحيل حلقة من حلقات التعذيب، وأخذوا يتعلمون من بعضهم، ويضيفون إلى خبراتهم تجارب جديدة في فن التعذيب والإساءة؛ ويشارك في التعذيب غيرهم من العاملين في الجهاز الإداري والخدمات العامة، حتى عمال النظافة يجدون الفرصة للمساهمة في تعذيب المعتقلين، وتوجيه الإهانات لهم، رغم أن ذلك ليس من مهامهم، وقد لا يطلب منهم القيام به، ولكن «الطبيعة الإسرائيلية» بصفةٍ عامة مجبولة على حب التعذيب والإساءة إلى الآخر، فيتعاملون جميعاً مع الأسير على أنه عدو، وأنه مصدر خطر على كيانهم ومواطنيهم، ولذا يجب الانتقام منه. وقد عبر مدير أحد «السجون الإسرائيلية» عن السياسة التي يتبعها مع الأسرى بقوله «إننا نعطيهم الحد الأعلى من المضايقات، والحد الأدنى من شروط الحياة، هذه هي الأوامر، وأنا عسكري أنفذ الأوامر».
التعذيب في «المفهوم الإسرائيلي» عبادة ودليل إخلاصٍ وولاء، فمن لا يمارسه ضد أعداء «دولة إسرائيل» لا يكون مخلصاً لها، ولا يعمل من أجل تحقيق الحلم اليهودي في أرض الميعاد، ويكون خائناً للأجيال اليهودية، وينبغي على الآخرين مقاطعته ومعاقبته، أما إن كان يبدي مشاعر الرحمة والشفقة تجاه الآخر، فيكون من غيره منبوذاً مكروهاً، يمارس أعمالاً شاذة، ويأتي بتصرفاتٍ مكروهة، ولا مكان له بين اليهود الطيبين و«الإسرائيليين المخلصين»، فيما أنّ من يقوم بدوره في التعذيب والإهانة والإساءة؛ يعود إلى بيته مطمئناً هانئاً راضياً عن نفسه، فخوراً في أسرته وبين أهله، يكون قد أدّى جزءاً من الواجب الملقى على عاتقه، وساهم بما يستطيع في إكراه وتعذيب أعداء «شعب إسرائيل».
التعذيب في «المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية» أمرٌ ثابتٌ وسلوكٌ معتمدٌ، وتعاليم وإرشادات لا تتغير ولا تتبدل، فلا مكان في تعاليم «المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية» لمعاني الرحمة والرأفة والشفقة، ولا وجود للتمييز في صف الأعداء بين رجلٍ وامرأة، وكبيرٍ وصغير، وقويٍ وضعيف، فهم جميعاً أعداء، ويجب التعامل معهم من منطلق نظرة العداء، وينبغي ألا يكون في التعامل معهم مكانٌ لحسن النية، أو سلامة القصد، فهم جميعاً أعداء، يستحقون العقاب، ويجب أن ينالهم قسطٌ من التعذيب، ولهذا تتعمد «المخابرات الإسرائيلية» تطعيم عناصرها المشرفة على التحقيق أو التعذيب بعناصر جديدة قليلة الخبرة، ولم يسبق لها أن مارست التعذيب أو الإساءة بصورة واسعة، وذلك لتتمكن من اكتساب الخبرة والتجربة، والأهم من ذلك أن تقوي وتشجع عندهم نزعة القيام الطوعي بالتعذيب، وعدم التأثر بالبكاء أو الاستجداء، أو مظاهر الألم أو منظر الدم النازف.
التعذيب في «المفهوم الإسرائيلي» مادةٌ للتسلية والتسرية عن النفس، وتمرير الوقت والتخلص من الوحدة والفراغ، وهو فرصة لتبديد الهموم والأحزان، ووسيلة للتعبير عما تخفيه النفوس وتكنه القلوب، وهو فرصة لتفريج الكروب والهروب من الخلافات الزوجية، وتجاوز المشاكل الاجتماعية، والتخفيف من هموم الديون والضائقة المالية، كما أنه مضمارٌ للسباق والتنافس والرهان، ومجالٌ رحبٌ لتفجير الطاقات وخلق الأفكار وابتداع الوسائل الجديدة في التعذيب وطرق الحصول على المعلومات، وهو فرصة لأخذ الصور التذكارية، وتخليد اللحظات النادرة، وهو مجال للتدريب والـتأهيل وصقل الخبرات، ووسيلة لتقوية القلوب وإظهار قسوتها على الأعداء والخصوم، إذ أضحى الجنود وعناصر «المخابرات الإسرائيلية» يمارسون وسائل التعذيب ضد الأسرى والمعتقلين بصورة طوعية اعتيادية، ولا يشعرون بأدنى ندم أو تأنيب ضمير، بل يعودون إلى بيوتهم فرحين، ويلتفون حول أفراد أسرهم وأطفالهم مبتهجين، يلعبون معهم ويتناولون معهم الطعام والشراب، وكأنهم لم يتركوا وراءهم في الزنازين والمعتقلات بشراً يعذبون ويعانون، ويضربون ويهانون.
تعذيب الأسرى والمعتقلين في «السجون الإسرائيلية»، هو بصورة عامة عقيدة دينية، وفلسفة أمنية، وسلوك اجتماعي، وسمة عامة تصبغ حياة اليهود عموماً قديماً وحديثاً، وهو ممارسة عسكرية ومدنية على السواء، وهو سلوكٌ لا يمكن فصله أو عزله عن «الشخصية الإسرائيلية»، ويمكن ملاحظته بسهولة حقداً في العيون، وأمارات غضبٍ وكره على الوجوه، وردات فعلٍ طوعية وتلقائية قاسية وعنيفة، وهو أبلغ وأوضح وسيلة للتعبير عن نزعة العدوانية والكراهية لدى «الإسرائيليين».


