أنت هنا

قراءة كتاب الدين ونشوء العلم الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدين ونشوء العلم الحديث

الدين ونشوء العلم الحديث

كتاب " الدين ونشوء العلم الحديث"، تأليف ريجر هوكاس، ترجمه إلى العربية زيد العامري الرفاعي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008، ومما جاء في مق

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 8

1 - 3 موجد العالم وصانعه وخالقه

كانت الطبيعة في نظر أغلب الفلاسفة الاغريق كائنا الهيا حيا يخلق كل الأشياء وكل الالهة والرجال والحيوانات بعملية الانجاب والتكاثر . وأعتقد هسيود*Hesiod ان الارض انَجبت الجبال بينما نرى في كتاب التكوين انه امر الله الذي فصل الارض اليابسة عن البحر .

يبدو للوهلة الاولى أن صانع العالم الأفلاطوني يشابه خالق الكتاب المقدس : فصانع العالم الأفلاطوني يحيل المادة إلى الصورة المطلوبه مثلما يفعل الخزاف ومن جهة أخرى نجد القديس باول يقارن بطريقة مماثلة العلاقة بين الله والانسان بالعلاقة الموجوده بين الطين وصانع الخزف(26) وتحدثت مزامير النبي داوود عن عمل اصابع الله (27) . ومع ذلك توجد اختلافات كبيرة بين صانع العالم الأفلاطوني وخالق الكتاب المقدس : أولا ، ففكرة أو صورة الخزاف والطين ، في الانجيل ، هي محض مجاز يعبر عن تبعية الانسان بينما المقارنة عند أفلاطون أعمق غورًا إذ أن صانع العالم مثل الانسان الحرفي الذي يصنع الأوعية المنزلية ، عليه أن يجمع شيئين موجودين هما المادة والخطة - فالمادة تقاوم أتمام العمل أما الخطة فتقيد حرية تصميمه . ثانيا ، يترك صانع العالم الأفلاطوني أمر بقاء الكون ومعيشته الى روح العالم وقد يفوض لها تركيب الكائنات الحية وبضمنها الانسان لأن هذا الخزاف الالهي يرى أنه دون كرامته وخارج قدرته أن يصنع وعاءًا أرضيًا بشريًا بينما يرى الخالق في سفر التكوين، من ناحية أخرى ، أن قمة عمله هي خلق الانسان . وثالثا ، نجد في محاورة تيماوس أن الانسان قد خلقته الهة ثانوية على صورة الكون - وهو محض خيال الاله وصورته بينما الانسان في الكتاب المقدس قد خلق على صورة الله .

قادت فكرة روح العالم ، وبصورة حتمية ، إلى فكرة أن الكون ( kosmos ) عبارة عن كائن حي وأن التكاثر والأنجاب هو عمل الطبيعة الاساسي . وبينما تتضمن فكرة التصميم العقلي تحول الخالق الى صانع ، نجد أن الخاصية العضوية للعالم تتحدث عن أنه ، إلى حد ما ( ربما بصورةاستعارية ) ، موجد الكون أو منجبه . وجعله أفلاطون يتحدث قائلا عن "الافعال التي انا موجدها وصانعها" (28) . وفي الحقيقة فوظيفة الاب هذه هي التي لم تمكنه من اَْنجاب الانسان حالاً - الشبيه يولد الشبيه . ويقول" اذا انجبت بشرًا" فانهم سيتساوون مع الالهة" . إن الفرق بين الأب المنجب والصانع هو أن الأب ينقل صورته (Form) بعملية التكاثر الذاتي ( والتي لاتنطوي ضمنا إنه أدى عملاً عقليًا ) بينما يقوم الصانع بنقل الصورة التي تأملها عقله . وهاتان الفكرتان متحدتان في محاورة تيماوس .

وعلى النقيض من أفلاطون ، لم يستعن أرسطو بالاساطير وفي تعليله لصيرورة الاشياء رأى أن الطبيعة بنفسها تجمع صفات كل من الصانع والمنجب معا . ولكنه ميز ، كما ميز أفلاطون ، سمتين رئيسيتين في الطبيعة : كونها من المعقولات* ( intelligible ) فضلا عن أنها كائن حي (living organism) . وتنطوي السمة الاولى على تولي الطبيعة صنع الاشياء كما يفعل الصانع كالنجار أو الطباخ ، مع أن أرسطو لم يذهب الى حد القول أن الطبيعة واعية لعملها أو حتى أقل من ذلك إنها حرة . ونواتج الطبيعة هي من المعقولات لأنها نتائج التكاثر الذاتي للصورالعقلانية[rational Forms] ، يعني تاكيد فكرة انجاب الشبيه للشبيه . وقد استعيرت صورة (Logos) * الجنين من الأب الذي يمتلكها عادة(29). وهذا يعني أن التكاثر الذاتي هو عملية عقلية تنتج شيئا شبيها فضلا عن كونه الهيا وشيئا حيا . تمثل عمليتا التكاثر والتخليق السمتين العقلية والعضوية لوجهة نظر الاغريق عن الطبيعة .

ويصدق هذا التفسير أيضا على مفاهيم الرواقيين ، فحسب مايقول زينون أن الروح ( أو النار ) تدخل المادة كحيمن مخصب وبذلك تحدث وتولد الحياة والنظام و القانون . ويعبر المصطلح الرواقي "المبادئ التكاثرية العقلية" لطبائع وجواهر الأشياء ، على نحو كاف ومحكم ، عن السمتين اللتين تنطوي عليهما وجهة نظر الأغريق عن الطبيعة وهما السمة النظرية العقلية لصنع الأشياء طبقا للتصميم فضلا عن السمة الحياتية [البيولوجية] لتوالد هذه الاشياء وتكاثرها . وحسب ما يقول شيشرون إن من الضروري إعتبار الطبيعة كائن عاقل لأنها تولد الأشياء العاقلة (30) ؛ وفضلا عن هذا يجب اعتبارها [ الطبيعة] مساوية ومشابهه للنباتات والحيوانات أكثر من مساواتها لاي جسم جامد ميت . إذ أننا نجد أن المصطلح اللاتيني ( natura - artifex ) يتضمن الوظيفتين الصنويتين للمنجب والصانع : فكلمة natura تختص بالتكاثر من البذرة وال artifex تعنى بالخاصية العقلانية لهذه العملية . وهذا الانتاج العقلاني ليس تخليقا حرا بل يبقى ضمن حدود التكرار الحياتي [ البيولوجي] الأزلي بسبب اعتبار العالم كائن حي .

وظهرت تأثيرات عميقة لاحقة بسبب هذا الفرق الكبير بين المفهوم الانجيلي للخالق المتسامي المتعالي الذي يخرج العالم من العدم بارادته الحرة وبين المفهوم الاغريقي للنمو والتوالد بواسطة الطبيعة الالهية الأصلية . فقد أثر اعتماد واختيار أي من هذين المفهومين كاساس روحي لعلم الطبيعة ، تاثيرا ملحوظا على نمو العلم وتقدمه فيما بعد ؛ لان العلماء ، كما هو معروف ، يستخدمون في طرقهم العلمية تصوراتهم المسبقة عن الطبيعة وهذه التصورات المسبقة بدورها تعتمد ، من بين أمور أخرى ، على إيمان العالم واعتقاده عن الله . وقد واجهت الفلاسفة المسيحيين في نهايات العهد القديم وفي العصور الوسطى صعوبات جمة عند تعاملهم مع العلم ومع الفلسفة الوثنيين ، بسبب خلو الكتاب المقدس من أي نظام فلسفي أو علمي عن الكون ، فصعب عليهم تفريق وتمييز الحنطة من الزوان* .

و تتضمن فكرة الخالق الالهي الآن تبعية المخلوقات المطلقة له فضلا عن تميزها الكلي عنه . وهذا المفهوم لم يتفقْ تمامًا مع الرأي السائد بين فلاسفة القرون الوسطى من المسيحيين ؛ إذ اعتبروا[ تأليه] الطبيعة Nature سلطة شبه مستقلة وعليه فوقوع الحوادث وفقا للطبيعة يعني إنها قد تبعت نموذجا بدى عقليا لعقل الانسان وهو ما قال به أرسطو . وحقق [تاليه] الطبيعة وفقا لهذا النسق أو النظام الوجود الكلي الشامل لصورها العقلية الباطنية بوساطة العلل الفاعلة والعلل الغائية . وبذلك استمر تأثير كل من القوى الكونية ، و "الحب" و"توالد" الدين القديم للطبيعة بفضل استخدام العلل الغائية وبطريقة دقيقة . وهكذا اعتمدت وجهة النظر المسيحية في العصور الوسطى المفهوم الأرسطي فقط ولم تتخطاه ؛ معتبرة النظام التام الدائم للطبيعة سنة شَرعها الله والذي يسيطر عليه ويتحكم به بطريقة خارقة للطبيعة super - natural ( المصطلح مهم - التشديد من المؤلف ) عند إتيانه بمعجزة . وقد اعتبر توما الاكويني أن أحدى الوظائف الاساسية للفلسفة الطبيعية هي مساعدتنا على تمييز ومعرفة مايعود لله فقط ( مثل المعجزات أو أصل الأشياء ) من تلك التي تعود للطبيعة . على أن الانجيل يرد ويرجع لله حالاً كل الحوادث حتى لو بدت تافهة . ولم تكن تلك الاشياء الطبيعية سوى وسائل الله ولم يكن نظام الطبيعة معتمدًا على المنطق الباطني بل على عناية الله بمخلوقاته . ولا يتدخل الله في شأن نظام ما من أنظمة الطبيعة المتميز بشبه استقلاله والذي يعمل أما وفقا لنموذج منتظم دائم أو بطريقة استثنائية جدا او حتى بطريقة فريدة متميزة .

الصفحات