أنت هنا

قراءة كتاب الدين ونشوء العلم الحديث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدين ونشوء العلم الحديث

الدين ونشوء العلم الحديث

كتاب " الدين ونشوء العلم الحديث"، تأليف ريجر هوكاس، ترجمه إلى العربية زيد العامري الرفاعي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008، ومما جاء في مق

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 9

1 - 4 صورة العالم الميكانيكية

بدأت النظرة المسيحية عن العالم منذ القرن السادس عشر ، خلافاً لما قد يتوقعه المرء ، بمحاباة نشوء العلم الحديث وصورة العالم المقترنة بهذا النشوء . وقد حل نموذح العالم كآلة [ماكينة] محل نموذج العالم ككائن ولقد تميز التطور الحاصل منذ كوبرنيكوس حتى نيوتن بمكانيكية صورة العالم واتخذه اسما له .

وغالبا مايقال الآن أن الذريين الاغريق أنكروا أيضا الوهية وربوبية الطبيعة ولم يكونوا أقل شأنا من الفلاسفة الميكانيكين في القرن السابع عشر في إرجاعهم كل تغيير الى إتحاد الدقائق الصغيرة وانفصالها وحركتها أيضا . وبذلك كانوا [أي الذريون] أقرب الى المسيحية وإلى العلم الحديث منهم إلى أفلاطون وأرسطو والرواقيين ، في هذا الخصوص في الاقل ، لأنهم لم يشاطروا الاغريق نظرتهم السائدة انذاك بأن"كل الاشياء ملانة بالالهة . كان المسيحيون والابيقوريون على السواء ، من وجهة نظر المناصرين لدين الطبيعة القديم ، "ملحدين" . وفي نفس السياق ، في القرن السابع عشر ، اعتبر أنصار المدرسة الارسطوية القديمة أن الفلسفة الميكانيكية ستنتهي بالضرورة إلى الالحاد بينما نرى من جهة اخرى ان بعض المسيحيين من أنصار "الفلسفة الجديدة" ( بيكمان ، باسو ، جاسيندي ، وبويل Beeckman,Basso,Gassendi,Boyle ) كانوا معجبينبالابيقوريين . أكد بويل أن مذهب"المادة والحركة" قد وقر الله أكثر مما أعطاه مذهب "الطبيعة" ، وقال ان أرسطو أضر بالدين أكثر من أبيقور(31) . ولكنه [اي بويل] أدرك في الوقت نفسه أن أبيقور ( Epicurus ) ولوقريطس ( Lucretius ) قدما وعرضا ، بدلا من الله الواحد الذي رفضوه ، أعدادا لانهائية من الالهة والذرات ، التي عزوا اليها بعض الصفات الالوهية مثل الازلية[القدم] والسيادة ؛ ولهذا اعتبر بويل التباين الموجود بين فلسفته وبين فلسفة أبيقور أكبر من التشابه بينهما . وهنا كان بويل محقا تماما من وجهتي النظر الدينية والعلمية . وقد شاركت النظرية الذرية القديمة الفلسفة الميكانيكة الاعتقاد القائل بأن التغير يحدث من خلال المادة والحركة [أي بسبب المادة والحركة] لكن النظرية الذرية لم تدرك التصميم في الطبيعة ، لأن الالية هي نتاج او ناتج التصميم . لذلك استبعد مفهوم العالم كالة [ماكينة] كل من النظرية الطبيعية العضوية لارسطو و مادية ابيقور . وارتبط مفهوم الماكينة بمفهوم الصانع بعيدا عنها [عن الماكينة طبعا] مما يعني ذلك ، الارتباط بالايمان التوحيدي في الله المتعالي . وقال بويل أن الانسان الذي يقارن العالم بساعة ستراسبورغ يمكنه قبول أن الله هو خالق هذا العالم ومدبره (32) .

ولا "يظهر" عنصر التصميم في الفلسفة الميكانيكية من "طبائع" الأشياء بل ينشأ من الخواص التي أودعها الله فيها . فقد تؤدي هذه الخواص إلى "صور" مختلفة عن أي صورة ظاهرة معروضة حتى ألان . وعرفت الفلسفة الميكانيكية أيضا العلل الغائية التي أعتقدت أنها تعود إلى مستوى أخر غير مستوى النظرية ( الفيزياء الصرفة ) لأن الغاية التي صنعت من أجلها الساعة لا تفسر طريقة عملها وسلوكها . وكان مستوى الغائية في الفلسفة الميكانيكية أعلى من مستواه في النظرية الفيزيائية . وإذ نجد أن نموذج الكائن الحي[ للعالم ] يشير لفكرة العلة الغائية الباطنية ( حفظ حياة الفرد ) ، نرى أن نموذج العالم الآلة يجد سبب وجوده في خطة صانعها وفي خارج نفسه أيضا . والعالم ككائن يتوالد ويتكاثر بينما كماكينة فانه يركب ويصنع . وهذا سبب كون نموذج العالم كماكينة يوافق كثيرًا نظرة الكتاب المقدس عن العالم (33) . لذلك لم تكن الفلسفة الميكانيكية في القرن السابع عشر تسوية جديدة بين المسيحية في هذا الوقت وبين المادية القديمة بدلا من العضوية القديمة أو المثالية القديمة وإنما على العكس كانت قفزة او خطوة باتجاه تنصير علم الطبيعة وانعتاقه . ولما عجزت إلحادية الماديين عن العالم ولاعقلنة المثاليين له عن إيجاد النموذج الصحيح للعلم ، فقداستطاعت صورة العالم الميكانيكية ( عدم التأليه المتطرف في السياق الإنجيلي ) اداء ذلك أي إيجاد نموذج العلم الصحيح .

ولم يقدم نموذج الآلة طبعا صورة كافية لوقوع صانع الآلة تحت تأثير قيود وتحديدات شديدة تفرضها خواص المواد وصفاتها بينما يخلق الخالق مواده بنفسه وتتمتع الآلة بعد تصنيعها مباشرة بقدر من الاستقلالية ؛ غير أن الله في كتب الإنجيل لا يتخلى إطلاقا عن عمله لأن هذا يعني تحول العمل إلى عدم . ولقد كانت فكرة الإله – الميكانيكي خاضعة لفكرة الإله - الخالق ولكنها ليست متعارضة أو متنازعة معها[أي تنازع فكرة الميكانيكي مع فكرة الخالق] كما هو الحال مع فكرة الإله المنجب للكون . لذلك ففكرة العالم كالة مع غيابها في الكتاب المقدس ، تتفق مع روحه أكثر من فكرة العالم - كائن .

وللكتاب المقدس وجهة نظره الخاصة عن العالم وهي تبعيته ألمطلقه لخالقه، غير أن هذه النظرة لاتعطي صورة محددة عن العالم . وتتوافق صورة العالم كماكينة مع فكرة الله كصانع . ولعدم وجود نظير بشري لنشاط الخالق المقتدر فلايمكن لاي نموذج التعبير عن ناتج هذا النشاط وهو العالم كله . إذ لا يوجد في الطبيعة ما يعيننا على المعرفة الحقيقية بالله لأنه كما قال فرنسيس بيكون " أن المعرفة كلها تتقدم عن طريق التشابه والمماثلة – إن الله هو الشبيه الوحيد لنفسه ولا يشترك مع أي مخلوق بأي شي إلا بطريق الخطاب" (34) . ولا يمكن التعبير عن ماهية الطبيعة فعلا بتشبيهها "بالماكينة" ، ومن هو الله فعلا لا يمكن تشبيه "بالميكانيكي" . ولا يمكن فعل ذلك[ تمثيل حقيقة الله ] حتى لو اختزل العلم الطبيعي إلى علم الرياضيات وتسمية الله بسبب صعوبة التعبيرعنه " (35) بأنه عالم رياضيات عظيم .
 

الصفحات