أنت هنا

قراءة كتاب اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

كتاب " اكتشاف جزيرة العرب خمسة قُرون من المغامرة والعِلم " ، تأليف حمد الجاسر ترجمه إلى العربية  قدري قلعجي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 2

1 - عن سكان الساحل الشرقى للخليج العربى ، حيث يقول (ص 125) : « لقد أخطأ جغرافيونا - على ما أعتقد - حين صوروا لنا جزءًا من الجزيرة ، خاضعًا للفرس ، لأن العرب هم الذين يمتلكون - خلافًا لذلك - جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية ، من مصب الفرات إلى مصب الأندوس ، على وجه التقريب » . ثم يسترسل نيبور فى إيضاح هذه الملاحظة بإيراد الأدلة التاريخية التى شاهد صحتها وأدلتها ، ويسوق فى معرض الحديث عن فزع ملوك الفرس من النفوذ العربى فى تلك السواحل (ص 126) قولـه : « وكان نادر شـاه قد رسم خطة تقضى بإلقاء القبض على هؤلاء العرب ، ونقلهم إلى سواحل بحر قزوين ، وإحلال الفرس محلهم ، ولكن مصرعه حال دون تنفيذ هذه الخطة ، وحالت الاضطرابات المستمرة فى بلاد الفرس دون اعتدائهم على حرية هؤلاء العرب » .

2 - ويصف نيبور الحركة الدينية الإصلاحية التى شاهد تباشيرها فى أطراف الجزيرة ، وصف العالم المتجرد من كل غاية لا تمت إلى الحقيقة ، فى وقت كان علماء المسلمين أنفسهم فى جميــع ولايات السـلطنة العثمانية ، يحـاربون تلك الحــركة ، ويصمونهــا بكــل ســوء ، فيقــول (ص 130) : «إن أعداءهم يحاولون أن يظهروا مذهبهم بمظهر سيّئ ، وأن يعملوا على تبغيضه ، بتصويره على غير حقيقته ، وأن ينسبوا إليه ما لا يقول به أو يدعو إليه» .

وقد أدرك هذه الحقيقة - فيما بعد - الرحالة الأسبانى « دومنغو باديا آى لبليخ » الذى أسلم وسمى نفسه « الحاج على بك العباسى » حينما جاء إلى مكة حاجًا فى سنة 1806 ، وشاهد موكب الإمام سعود بن عبد العزيز فى ذلك العام ، فقد سجل فى مذكراته قوله (302) : « الحقيقة تفرضعلىّ أن أعترف أننى وجدت جميع الوهابيين(1) الذين تحدثت إليهم على جانب من التعقل والاعتدال ، وقد استقيت منهم كل المعلومات التى أوردتها عن مذهبهم » .. إلى أن قال: «إن الناس لم يفهموا المعنى الإصلاحى لهدم المزارات وتقويض أضرحة الأولياء التى كان المؤمنون يؤدون لها واجب الإجلال ، وقد كاد هذا الإجلال يتحول إلى نوع من العبادة التى لا تجب إلا لله وحده » .

ولعل من المفيد - ما دمنا بصدد الحديث عن هذه الدعوة الدينية الإصلاحية - أن نشير إلى رأى للكاتب الفرنسى « ألكسندر دوماس » على جانب كبير من العمق فى إدراك ما كان متوقعًا لتلك الحركة من الانتشار ، فقد قال (ص 257) : « إن الإصلاح لوشيك الحدوث ، من القوقاز إلى رأس زنجبار ... إن مائتى مليون مسلم اليوم يتعادون ويتنازعون ، تجمعهم نقطة عقائدية واحدة هى الحج .. ولكن المستقبل فى غمرة كل ذلك للوهابيين وحدهم ، ولمذهبهم الذى يختفى أمامه ألوف الأولياء ، وأمام مبادئهم الخلقية التى تكاد تكون إنجيلية ، ينمحى ذلك الانحلال الشرقى المنتشر فى أكثر العواصم » . قال دوماس هذا القول ، والضعف يدب فى مفاصل حكومة الإمام فيصل بن تركى ، والسيطرة الخارجية تقطع أجزاءها جزءًا فجزءًا ، ومع ذلك فقد تحققت نبوءة هذا الكاتب .

وتقول مؤلفة كتاب « اكتشاف جزيرة العرب » (ص 131) ، عن الرحالة « نيبور » : « وتكمن إحدى مآثر نيبور العديدة فى أنه أدرك الأهمية التى كانت الحركة الوهابية مزمعة أن تحرزها وهى ماتزال فى مهدها ، وفى أنه أعطى أوروبا عنها معلومات صحيحة وقد أمَرّها بغربال حكمه الموضوعى الدقيق ، ونزهها عن كل هوى » . ويحسن أن يضاف إلى قول الكاتبة الفاضلة : بأن الباحث العربى يجد فيما سجله نيبور عن رحلته حقائق عن سكان شرق الجزيرة العربية ، وعن أحوال ذلك القسم من بلادنا ، يلقى أضواء بدونها لا نتبين معالم تاريخ ذلك القسم ، على ما تتصف به تسجيلاته من إيجاز .

ولعل من أمتع فصول هذا الكتاب ، الفصل المتعلق بـ « اكتشاف عسير » (ص 000) حيث تتجلى فى هذا الفصل ما تتصف به المؤلفة من روح علمية منصفة ، تتحرى الحقيقة ، فقد ربطت بين الحديث عن إقليم عسير وبين حملة محمد على - والى مصر - للقضاء على حكم آل سعود ، مشيرة إلى ما جرّته هذه الحملة المشئومة على تلك البلاد من خراب ، وما نشرته بين قبائلها من فوضى ، ولن يعدم القارئ - بين فصول الكتاب الأخرى - لمحات خاطفة تبرز الغزو التركى المصرى لبلاد العرب مجردًا من معانى الإنسانية والأخلاق ، بخلاف ما أضفى عليه من صفات الدفاع عن الإسلام من قبل طائفة من المؤرخين ، المشوهين للحقائق ، وكيف يكون مدافعًا عن الإســـلام من لا يتورع عن إسناد الحكم فى إحدى المدينتين الكريمتين إلى ( توماس كيث ) من فرقة ( الهايلندرز الـ 72 ) - ص 171 - ولا يجد وازعًا من دين أو خلق عن إتلاف المزروعات ، وهدم المنازل ، وقطع الرءوس ، وصلم الآذان ، وذبح الأسرى ، وغير ذلك من مظاهر الهمجية والوحشية ، مما صوّره الرحالة الفرنسى « موريس تاميزيه » الذى رافق الحملة المصرية إلى عسير، بكل مرارة وأسى .

لا يزال ( إقليم عسير ) مفتقرًا إلى مراجع تاريخية ، كغيره من أقاليم الجزيرة - باستثناء الحجاز - ولهذا فإن المجلدين اللذين سجل فيهما هذا الرحالة - الذى زار ذلك الإقليم كاتبًا لأحد أطباء الحملة الفرنسيين ، مشاهداته وملاحظاته - يعتبران من المراجع المفيدة عن هذا الإقليم .

ولعل فى سرد أسماء بعض المواضع التى مَرّ بها الرحالة ، وسجل عنها بعض المعلومات ما يرسم لنا معالم تلك الرحلة .

سار الجيش من جدة فى السابع عشر من أيار سنة 1734 متجهًا إلى الطائف ، مارًّا ببَحْرة - حَدّاء - وادى فاطمة - بئر البرود ، وعندها شاهد (تاميزيه) أطلالاً وصفها بالأهمية ، من الناحية الأثرية ، وتحدث عنها بإسهاب - كما تحدث عن سكان قرية السَّيل من قبيلة « عُتيبة » بعد اجتيازه قرية الزَّيمة ، ولما بلغ الطائف وجد مجال الوصف ذا ســـعة ، فرسم فى وصـــفها صفحاتٍ فيها إبداعٌ ، وفيها صـــدق تصــوير ، ثم تابع الجيش ســيره صـوب عسـير ، فجــــزع وادى ضَــرَاء (195 : درة خطأ) فوادى رنيَة ( لا رينة كما فى ص 172 ودنْيَة ص 195 ) فوادى هِرجاب ، فوادى شهران ، حتى بلغ قرية خميس مُشَيْط ، حيث دارت رحى المعركة .

وعند العودة من الرحلة اتخذ رحالتنا ساحل تهامة طريقًا له ، مجتازًا بلدة أبى عريش ، متابعًا رسم لوحاته لكل مكانٍ يمر به ، مصورًا كل حادثة تلفت نظره ، ببراعة ووضوح .

لن نسير مع ( بر كهارت السويسرى ) مؤلف كتابى «رحلة إلى بلاد العرب» و « ملاحظات عن البدو » الذى زار الحجاز عام 1814 و « دومنغو باديا آى لبليخ الأسبانى » المعروف باسم الحاج على بك العباسى الذى شاهد موكب الإمام سعود بن عبد العزيز فى مكة سنة 1806 ، فهما على جانب عظيم من الشهرة فى عالم الرحالين ، ومؤلفاتهما ماتزال معينًا مورودًا للباحثين ، غير أن مما يستدعى العجب ما لقيه الرحالة الأسبانى ، الذى ظهر بمظهر وجيه من سلالة بنى العباس ، من شريف مكة من حفاوة ورعاية ، قَلَّ أن يحظى بهما من هذا الوالى أحد من أبناء جلدته ، فهل كان ذلك عن مجرّد بلاهة يتصف بها هذا الوالى ، أم أن وراء الأمر ما وراءه ؟! إن مما لا شك فيه أن بلاهة شريف مكة - أيًّا كان باعثها - قد عادت بفائدة ذات أثر حميد على البلاد ، وعلى الباحثين فى تاريخها ، بوجه خاص .

وماذا عن القسم الشمالى من نجد ، مقر إمارة « آل رشيد » ؟

لقد زارت نبيلة إنجليزية تدعى « الليدى آن بلانت » هذه البلاد ، فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، إبّان حكم الأمير محمد بن عبد الله الرشيد ، أعظم أمير رشيدى ، امتدّ حكمه حتى شمل نجدًا كلها . وقد اشتمل المجلدان اللذان تضمنا أخبار تلك الرحلة ، على الكثير من الشائق من أنباء ذلك الحاكم ، ووصف بلاده فى عهد حكمه . وأما ما قبل ذلك فإن المعلومات الوافية عن تلك الإمارة ماتزال تعوز الباحثين(2) .

ولقد قام الرحالة الفنلندى « جورج أوغست والان » برحلتين إلى مدينة حائل بين عامى 1845 و1848 فى عهد الأمير عبــد الله بن رشـــيد ، مؤسس الإمارة الرشــيدية ، ويمكن القــول - اعتمادًا على النماذج الموجزة التى نقلتها مؤلفة هذا الكتاب ( فى الصفحات 200 إلى 211) مما دوّنهمن مشاهدات أثناء رحلته ، عن حائل ، وعن بلاط ابن رشيد ، وعن أسلوب حكمه - بأن المعلومات التى سجلها تصلح أساسًا يعتمد عليه ممن يعنيه دراسة أحوال تلك الإمارة(3) .

من خلال هذه اللمحات القصيرة تبرز للقارئ قيمة هذا المؤلَّف ، لا من حيث شمـولـه لمعــلومات ودراســات تاريخية فى مجال الريادة والرحـلات ، بل لأنه يبســط أمام القارئ العــربى - المعنىِّ بدراسة تاريخ الجزيرة - ميدانًا واسعًا ، ممهد الطرق ، واضح المعالم .

لقد قسرتنا مقتضيات العصر الحديث على مجاراة الغربيين فى سنن الحياة اليومية ، فى البيت، وفى الشارع ، وفى المدرسة ، وفى كل مكان ، ألا يجدر بنا أن نسعى لمجاراتهم فى مضمار البحث والسعى لإدراك الحقائق العلمية ، بنفس الأسلوب الذى وطّن هؤلاء الرواد المغامرون أنفسهم على الأخذ به ، لتكييف حياتهم تكييفًا يمكنهم من الوصول إلى الغايات التى يسعون إليها؟!

إن القارئ العربى كثيرًا ما تعتريه حالة من الريبة والشك حيال كتابات الغربيين عن العرب ، وهى حالة مع منافاتها للحكمة العربية القديمة : (الحكمة ضالّة المؤمن يلتقطها حيث وجدها) لا تتفق مع المنطق القويم فى شىء، فالحقُّ يجب قبوله ، أيًّا كان مصدره ، والباطل لا يتوقف رفضه على معرفة مصدره ، وأولئك - بحكم بعدهم عنا ، وجهلهم لأحوالنا فى الماضى - تشوب كتاباتهم عنا شوائب من الخطأ ، لا ينبغى أن تكون حائلاً بيننا وبين المعرفة ، بل الأجدر بها أن تكون من الحوافز التى تدفعنا إلى معرفة كل ما يكتب عن بلادنا وتاريخنا ، لنقبل الحق وننتفع به ، وننفى الزيف ونأباه .

ثمّ الكمال - من قبل ومن بعد - لمن له الكمال .

حمد الجاسر

الصفحات