أنت هنا

قراءة كتاب اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

كتاب " اكتشاف جزيرة العرب خمسة قُرون من المغامرة والعِلم " ، تأليف حمد الجاسر ترجمه إلى العربية  قدري قلعجي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 8

ولم يورد دى فارتيما فى كتابه أسماء المواقع المختلفة التى مرت بها القافلة مكتفيًا باسم مزيريب نقطة الانطلاق ، وباسمى مكة والمدينة اللتين كانت القافلة تقصدهما .

ويذكر دى فارتيما أن القافلة بلغت وادى سدوم وعمورة بعد مسير اثنين وعشرين يومًا . ومن الواضح أن ذلك ليس صحيحًا لأن هاتين المدينتين تقعان على شاطئ البحر الميت وقد سبق لـ « دى فارتيما » أن أعلمنا أنه ليس بالرجل الذى يستقى معلوماته من الكتب . ولكنه يورد هنا خليطًا مما يتذكره من التوراة فيقول : إن سكان هاتين البلدتين لابد أن يكونوا قد ارتكبوا ضروبًا من المعاصى ، حتى أُنزل بهم ذلك العقاب ، لأن كل ما يحيط بذلك المكان من أراضٍ قاحل لا ماء فيــه ، ولا ينتج أى شىء . ويضيف إلى ذلك قوله : « لقــد كانوا يعيشـــون على المن ، وبما أنهــم لم يعترفوا بنعمة الله , وبسبب آثامهم الفاحشة ، عاقبهم الله بأعجوبة منه ، ولايزال المرء يرى أطلال هاتين المدينتين » .

إن فيما كتبه دى فارتيما صدى للعقيدة الإسلامية ، فلايزال المسلمون حتى يومنا هذا ، يعتبرون هاتين المدينتين القديمتين المهدمتين ، كمدينتين لعنهما النبى . ولا شك فى أن دى فارتيما قد خلط هذا النوع من الاعتقاد بما تذكره من معاقبة العبرانيين فى الصحراء لتذمرهم من الرب ، ومن معاقبة سدوم وعمورة .

إننا نظن ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أيام السير المذكورة ، أن المدينتين الواقعتين فى ثلاثة أخماس المسافة ما بين دمشق والمدينة ، لا يمكن أن تكونا سوى مدائن صالح والعلا . وقد مر بهما دى فارتيما متوهمًا أنهما سدوم وعمورة ، ولم يخطر بباله أن هناك حضارة عريقة فى القدم ، لاتزال فى حاجة إلى من يكتشفها .

ومر بسفح جبل يتراوح محيط دائرته بين عشرة أميال واثنى عشر ميلاً ، فكتب : « هناك يسكن أربعة أو خمسة آلاف يهودى ، وهم عراة تمامًا ، يتراوح طول الواحد منهم بين خمسة وستة أقدام ، أصواتهم شبيهة بأصوات النساء ، لونهم أميل إلى السواد منه إلى السمرة ، لا يأكلون إلا لحم الغنم ، ولا شىء لديهم غيره . وهم مختونون يجهرون بيهوديتهم . وعندما يتمكنون من إلقاء القبض على أحد المسلمين ، يسلخون جلده حيًا » . وأغلب الظن أن هؤلاء اليهود إما أن يكونوا عشيرة خيبر أو عشيرة دغتى ، الذين شهدوا أيامًا عصيبة فى القرن التاسع عشر .

وأخيرًا بلغ دى فارتيما المدينة . وكان يُظن فى أوروبا أن جثمان النبى محمد معلق فى الفضاء فى البيت الحرام بمكة . فكان لـ « فارتيما » الفضل فى تصحيح هذا الاعتقاد الخاطئ ؛ إذ رأى بالفعل قبر النبى فى المدينة .

وصف المسجد بأنه مربع ، ينتصب فيه أربعمائة عمود أبيض من الحجر المحرق ، وذكر أنه رأى فيه ما يقارب الثلاثة آلاف مصباح كلها موقدة دائمًا ، وفى أحد أركانه برج مربع مكسو بالحرير منطَّق بأعراش من النحاس ، يُدخل إليه من باب صغير ، يرى على كل جانب من جانبيه ما يقارب العشرين كتابًا من كتب سيرة النبى ، وأحاديثه ، ووصاياه ، وأعمال عظماء المسلمين المدفونين فيه ومآثرهم ، وهو يضم - فى الحقيقة - قبر النبى والخليفتين أبى بكر وعمر ، ويذكر دى فارتيما أن هذا البرج يضم أيضًا ، قبور على وعثمان وفاطمة بنت النبى . ومن الواضح أنه قد أخطأ من قال له ذلك فيما يختص بالإمام على ، أما فاطمة فلا يعتقد بدفنها هناك إلا الشيعة ، وأما عثمان فقبره فى مدفن آخر من مدافن المدينة .

ويقول دى فارتيما إنه لم يرَ وأصحابه - وهم ذوو عقول راجحة - الأنوار التى يؤكد المسلمون أنهم يرونها تنبعث ليلاً من قبر النبى .

على أن دى فارتيما أحسن - دونما تحيز - وصف الشعائر التى كانت تمارس فى مكة ، وأعجب بالمدينة المقدسة المحاطة بالجبال . وذكر أن الأراضى التى تقع حولها قاحلة ، وأن المواد الغذائية تأتيها من القاهرة عن طريق ميناء جدة الواقع على البحر الأحمر ، ومن بلاد الهند وبلاد فارس ، وسوريا ، وأنه يردها كميات كبيرة من الجواهر والأفاويه من بلاد الهند وبلاد الحبشة ، وكميات كبيرة من منسوجات القطن والكتان والحرير من بلاد البنغال ، وأن تجارة الجواهر ، وأصناف الأنسجة الحريرية والقطنية ، فى هذه المدينة المزدحمة بالناس ازدحامًا لا مثيل له فى أى مكان آخر ، ناشطة نشاطًا لم ير مثله فى حياته ، وأن العطور تباع بالجملة تحت قباب المسجد الكبير، بينما تباع الجواهر بالقرب من بابه .

يُعرف مما كتبه بور كهاردت أن الكعبة ، قدس أقداس مكة ، وقد أعيد بناؤها كليًا سنة 1627 . أما دى فارتيما فقد رآها فى حالتها القديمة . وقد ذكّره المسجد المستدير ، الرائع كل الروعة ، بمدرج الكوليزيه فى روما . وفى فسحة مكشوفة فى وسطه ، برج صغير يقدر كل من جوانبه بما يتراوح بين خمس وست خطوات ، أحيط بنسيج من الحرير الأسود هو الكعبة . ويمكن الدخول إلى الكعبة من باب من الفضة ، يقع أسفله على ارتفاع قامة رجل ، وقد وضع على كل من جانبيه إناء ملىء بالعطر . وترى حلقة ضخمة فى كل ركن من أركان البرج .

ويروى لنا رحالتنا كيف أن الجميع ، قبل بزوغ شمس الثالث والعشرين من شهر أيار (مايو) أخذوا يطوفون حول الكعبة مقبلين زواياها ، وبعد الفراغ من ذلك ، جعلوا يقتربون من بئر « زمزم » التى تقع على بعد اثنتى عشرة خطوة منها ، وهم يسيرون القهقرى . وفيما يستغفر المؤمن الله بصــــوت مرتفع يلقى على رأســـه ثلاثة أسطل من الماء ليبتـــل حتى أخمص قدميــــه ، لا يستثنى من ذلك أحد ولو كان مرتديًا ثوبًا من ذهب ، لأن ماء هذه البئر يعد مطهرًا للخطايا ، ويتوجه الجمهور بعد ذلك إلى أسفل جبل « منى » لتقديم الأضاحى ، فيقوم كل مؤمن بنحر عدد من الخراف يتراوح بين اثنين وخمسة ، ويحتفظ بشىء من لحمها لاستعماله الشخصى ، ويوزع ما تبقى على الفقراء ، والفقراء كثيرون ، يتنازعون لا اللحم فحسب ، بل قشور الخيار التى تلقى إليهم على الرمل .

وفى اليوم التالى بعد أن يقوم الحاج بإعلان التوبة ، يسرع الجميع بالعودة إلى البلدة . ويلاقون فى منتصف الطريق جدارًا كوِّمت فى أسفله كمية من الحجارة الصغيرة ، على كل واحد أن يقوم برمى إحداها كأنه يرجم بها عدوًا غير منظور .

ويشرح دى فارتيما هذه الشعيرة الدينية فيقول إنها رمز لطاعة إسحق ، ودليل على الرغبة فى الاقتداء به . فقد جاء فى التعاليم الإسلامية ، أن الشيطان حاول إقناع إسحق بعد اللحاق بأبيه إبراهيم العازم على التضحية به ، فطرده إسحق مرتين ، وفى المرة الثالثة رجمه بالحجارة لكى تتم مشيئة الله .

ويذكر دى فارتيما أيضًا أن الحمام يغزو مكة ويحدث أضرارًا جسيمة ، ولكن ما من أحد يقدم على قتل حمامة واحدة ، لأنهم يعتقدون أنها تتسلسل من الحمامة « التى كانت تكلم النبى محمدًا بوصفها الروح القدس » .

ويذكر لنا أخيرًا ، أنه رأى فى أحد جوانب المسجد وحيدى قرن حيين كانا قد أُهديا إلى سلطان مكة . وتبدو هذه الرواية من قبيل الخرافات ، وأنه لا أساس لها من الصحة ، ولكنها ليست كذلك لأن من المؤكد أن وحيد القرن موجود فى غابات بلاد الحبشة الكثيفة .

كانت أوروبا مزمعة ، إذن ، منذ ذلك الحين فصاعدًا ، أن تعرف شيئًا ، ولو مختصرًا ، عن كيفية تأدية فريضة الحج الشاقة ، الحج الذى هو من أركان الدين الإسلامى ، ويجعل من المؤمن مسلمًا حقيقيًا جديرًا بالجنة .

ومما يثير الإعجاب موضوعية الرحالة ، الذى يلاحظ للمرة الأولى شعائر مجهولة ، والذى يحسن السؤال ، وفهم المعنى الروحى لمناسك الحج .

الصفحات