كتاب " الإنسان والبيئة " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، والذي صدر عن دار المأمون عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإنسان والبيئة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإنسان والبيئة
2- يؤثر الموقع المغلق على سياسات الدولة حيث تقوم الدول ذات الموقع المغلق باتباع سياسات الحياد حتى تضمن عدم عداء الدول المجاورة التي تمثل حواجز بينها وبين العالم الخارجي.
3- يؤدي الموقع المغلق إلى حدوث نزاعات مسلحة، حيث تطمع الدول الحبيسة ذات الموقع المغلق في الحصول على واجهة بحرية إذا أمكن، عن طريق فرض سيطرتها على دول أخرى مجاورة لها واجهة بحرية. كما حصل بين أرتيريا ذات الواجهة البحرية وبين أثيوبيا الدولة المغلقة والتي حاولت فرض سيطرتها على أرتيريا لسنوات طويلة من أجل الحصول على واجهة بحرية(4).
ومن الملاحظ أن الموقع الجغرافي يؤثر أحياناً على الظروف التي قد تتعرض لها الدول فمثلاً موقع بريطانيا كجزيرة منعزلة عن القارة الأوروبية جعلها لا تتعرض للغزوات التي حدثت داخل القارة مثل غزوات نابليون وهتلر اللذان فشلا في غزو واحتلال بريطانيا في فترات زمنية متباينة نتيجة موقعها.
ثانياً: البنية Structure
المقصود بالبنية التركيب الجيولوجي للبيئة الذي يكشف لنا ما تحويه بنية البيئة من صخور متباينة من حيث النوعية أو درجة الاستقرار (إذا كانت مستقرة أو معرضة لهزات أرضية).
وتختلف قيمة الصخور من حيث اختلاف ما تحتويه من معادن أو مصادر وموارد أو مياه جوفية فاختلاف قيمة الصخور بين البيئات له دور مهم في توجيه السكان نحو أنشطة اقتصادية معينة. فمثلاً وجود النفط في منطقة الخليج العربي أدى إلى تشجيع السكان على استخراجه واستغلاله وتحول الكثير من السكان من حرفهم التقليدية مثل الصيد، والغوص، والرعي إلى العمل في حقول النفط وصناعة البتروكيماويات.
كما تؤدي المعادن إلى جذب السكان إلى مناطق غير مأهولة وتخلق نشاطات اقتصادية جديدة تتعلق بهذه المعادن كما حدث في الولايات المتحدة الذي أدى اكتشاف الذهب في غربها إلى هجرة أعداد كبيرة من الناس من شرقها إلى غربها بعد أن كانت هذه المناطق غير معروفة وغير مأهولة ونشأت في ما بعد المدن الكبيرة المعروفة التي توجد على سواحل الولايات المتحدة (5).
بالنسبة للمياه الجوفية فإن وجودها يصبح عاملاً مهماً في تحديد نوعية ودرجة علاقة الإنسان مع بيئته حيث يؤدي وجودها إلى زيادة اهتمام السكان بالزراعة والنشاطات الزراعية.
أما بالنسبة لدرجة استقرار البيئة فإن تأثيرها على الإنسان ينبع من كونها بيئات هادئة مستقرة أو بيئات غير مستقرة عرضة للزلازل والبراكين. حيث تؤثر درجة الاستقرار على النشاط الإنساني وتفرض عليه ممارسة نشاطات وسلوكيات معينة تمكنه من مواجهة التحديات التي تفرضها هذه البيئة حيث يتجنب الإنسان القيام بمشروعات ضخمة كالسدود أو المجمعات الصناعية في المناطق غير المستقرة بيئياً، كما تفرض هذه البيئة على الإنسان الالتزام بمواصفات خاصة في بناء منزله من حيث نوعية المواد المستخدمة وطريقة البناء لتمتص الهزات الأرضية المتوقعة وتقلل من أخطارها.
ثالثاً: التضاريس Land Scape
التضاريس هي أشكال سطح الأرض من جبال وهضاب من ناحية وسهول ووديان من ناحية أخرى وتمثل الجبال والهضاب ظواهر تضاريسية لها صفات أو خصائص معينة تتفرد بها وتميزها عن السهول والوديان لأنه كلما زاد الارتفاع يقل الأوكسجين ويخف الضغط الجوي وتنخفض درجات الحرارة مما يؤدي إلى أن تصبح الحياة في هذه البيئات صعبة أو مستحيلة. لذلك سيكون النقاش عن علاقة الإنسان بالتضاريس في ما يتعلق بالجبال والهضاب لأنها هي التي تشكل تحدياً أكبر للإنسان ويجد الإنسان صعوبة في التكيف معها. ويمكن القول أن إبراز المعيقات التي تضعها الجبال أمام الإنسان هي:-
1- يؤدي الانحدار الشديد في هذه المناطق إلى سرعة انسياب مياه الأمطار الساقطة عن هذه البيئات مما يؤدي إلى حدوث انجراف شديد في التربة ويجعل الزراعة في هذه المناطق عملية صعبة.
2- يؤدي الانحدار الشديد إلى حرمان الإنسان من فرصة استخدام الآلات الزراعية الميكانيكية على نطاق واسع فتصبح الزراعة يدوية بالدرجة الأولى وهذا يؤدي إلى تخفيض الإنتاج الزراعي والتركيز على الاكتفاء الذاتي، اليابان مثلاً، رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي لا تزال الزراعة فيها يدوية بسبب تضاريسها الصعبة.
3- تؤثر الطبيعة الجبلية في حركة النقل وتضع معيقات أمام الإنسان عند مد وإنشاء طرق السيارات والخطوط الحديدية.
4- يؤثر الانحدار في نوعية الحيوانات التي يقتنيها الإنسان في هذه البيئة فهي تتكون من الماعز والأغنام التي لها قدرة على الحركة الصاعدة الهابطة على سفوح الجبال بينما تختفي الجمال والأبقار التي تجد صعوبة في النزول من المنحدرات.
5- تؤثر التضاريس في توجيه نمو المدن حيث تؤدي قلة المساحة المستوية وإحاطتها بجبال ومرتفعات إلى لجوء الإنسان إلى التوسع العمودي ويناء ناطحات سحاب بدلاً من التوسع الأفقي كما هو الحال في مدينة نيويورك التي تتميز بناطحات السحاب الضخمة بسبب قلة المساحة المستوية وكذلك مدينة صنعاء التي لجأت إلى المباني العالية نسببياً للتغلب على ضيق المساحة بسبب إحاطتها بالجبال من جميع الجهات.
رابعاً: المناخ Climate
يعتبر المناخ من أكثر عناصر البيئة الطبيعية تأثيراً على الإنسان، وتعتبر الحرارة من أهم العناصر المناخية التي تؤثر على الإنسان فهي تؤثر عليه من حيث:-
1- طبيعة النشاط الزراعي: حيث يحدد المناخ نوع المحاصيل الزراعية وكميتها وجودتها ففي المناطق الحارة التي تتحمل درجات حرارة عالية مثل المطاط، القطن، قصب السكر، البن، الشاي، الأرز، المانجا وغيرها. بينما يزرع الإنسان في البيئات المعتدلة البروده، الشعير، الشوفان، البنجر، القمح، البطاطا. وتختفي الزراعة في البيئات القارسة البرودة (القطبية).
2- تؤثر الحرارة على تربية الحيوان حيث تختلف نوعية الحيوانات التي تربى في البيئات المختلفة وتختلف أهداف تربيتها مثلاً في الدول الحارة تربى الأغنام من أجل لحومها وليس لصوفها لأن البيئة الحارة غير ملائمة لتربية أغنام الصوف. كذلك الحال بالنسبة للأبقار حيث يتم التركيز في البيئات الحارة على تربية أبقار اللحوم بدلاً من أبقار الحليب لأن قدرة الأبقار على إدرار الحليب تقل في البيئات الحارة يسبب تأثير درجة الحرارة في نشاط الغدد اللبنية.
3- تؤثر الحرارة في تحديد نوعية الملابس التي يرتديها الإنسان حيث يرتدي في البيئات الحارة الملابس البيضاء والخفيفة والواسعة. أما في البيئات الباردة فيرتدي الإنسان الملابس الصوفية الثقيلة والداكنة والضيقة لتحفظ حرارة الجسم.
4- للحرارة تأثير في تشكيل الخصائص الجسمانية المميزة للسلالات البشرية. حيث منح الله الصفات المختلفة للأفراد لكي يتأقلموا مع ظروف البيئة الطبيعة فهناك ارتباط أكيد بين لون البشرة وشكل الأنف ودرجات الحرارة. مثلاً، إذا بدأنا من خط الاستواء في وسط إفريقيا وانتهينا بشمال أوروبا نجد أن لون الإنسان يكون أسود قاتماً عند خط الاستواء ثم يتدرج إلى أسود فأسمر فأبيض بدرجاته المختلفة حتى نصل إلى الأبيض الناصع في شمال أوروبا. وهذا الارتباط بين لون البشرة ودرجة الحرارة هو صورة من الحتمية الحرارية وقت النشأة الأولى للإنسان ليتواءم مع ظروف البيئة الطبيعية حتى لا تتعرض بشرته وجلده للضرر.
5- تؤثر الحرارة في نوعية الطعام حيث يميل الناس في البيئات الباردة إلى تناول الأطعمة الدهنية التي تبعث الحرارة في الجسم أما في المناطق الحارة فيميل الناس إلى تناول السوائل حتى يتم تعويض ما يخسرونه عن طريق عملية التعرق.
6- تؤثر الحرارة على نفسية الجماعة حيث يتصف سكان المناطق الباردة بالتفكير وبرود وهدوء الأعصاب بعكس سكان المناطق الحارة الذين يتصفون بالعصبية والاندفاعية والعاطفية وعدم القدرة على ضبط النفس وتحكيم العقل. وقد تناول ابن خلدون أثر المناخ في طبائع الشعوب قبل مئات السنين حيث وصف سكان المناطق الحارة بالخفة والطيش بينما وصف سكان المناطق الباردة بالحزن والخوف من المستقبل (6).
7- يؤثر المناخ على أنواع البناء وهندسة المباني حيث تكون أسطح المنازل في المناطق الباردة منحدرة للتخلص من مياه الأمطار والثلوج. بينما تكثر الشرفات في المناطق المعتدلة حرارياً.
في النهاية نستطيع القول أنه لا يجب المبالغة في تأثير عوامل البيئة الطبيعية من موقع وبنية وتضاريس ومناخ لأن الطبيعة لا تحدد كيفية استخدامها واستغلالها وإنما الإنسان بقدراته العقلية الجسمية يستطيع استخدام الطبيعة والتغيير فيها لمصلحته وتسهيل حياته فيها.