بلغة أشبه بالنصل تحز نهى غنام جمود الذاكرة القارئة لنصها، في محاولة منها لخلق وشائج قادرة على استحضار الحالة التي تبتغي إيصالها للقارئ، فقصصها تتناول تفاصيل الذات الإنسانية، ومعاناة الإنسان في ظل الاحتلال، وتواكب أحلامه بأناة، واضطرابات عوالمه الباحثة عن إي
أنت هنا
قراءة كتاب ناقص ضلع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت اللحظة التي ينفتح فيها المجال لمقابلة الصراف الآلي أشبه بمحاولة القفز من طيارة مقبلة على الانفجار حيث يحتفظ الجميع بحق الانقذاف منها إلى الصراف مباشرة، يسحبون ما وجد لهم وينطلقون غير آبهين بشيء، ربما لم يعرفوا مقدار المبلغ بعد فلحظة القبض لم تعد السراب الذي يندفعون نحوه ليل نهار.
يجد نفسه مضطرا للارتطام بالصراف فور اقتراب دوره وتبدو يده متذبذبة في إدخال البطاقة تروح وتجيء وفقا لما تتلقاه من دفعات من الخلف، حتى إنّه ضاعف الجهد ليحصل على رقمها السري في ثنايا دماغه المغمورة بما بعد السلفة، كان يتطلع شوقا لل600 شيقل التي اقتادته بلمحة لتجاوز المصطفين من أجلها، وتسلق الطريق متجها إلى موقف بلدته يتحسس الوريقات جيدا وتباغته عينه بالانجذاب لحظة إليها تسترق لها صورة بين أصابعه، وكأن تلك الأصابع فمه الذي ارتوى من الماء في صحراء قاحلة، إنها ما تبقى من ثروته التي انتهى احتياطها قبل أيام وله الحق في اعتصارها بين يديه...
"حسنا... نصف المبلغ مصروف للبيت" وتحركت يده اليسرى منتزعة من اليمنى نصف ما تطبق عليه في حركة واضح أنها مقصودة، وما تبقى من المبلغ غير معلوم النهاية؛ فهناك مجال للتفاوض... ربما يرجع ذلك لاتساع مساحات "الرقع" المطلوب منه إغلاقها، رغم انتظاره طويلا للسيارة فإن لمسة دفء تغمره وأشعة أمل تنطلق من مكان ما يحيط به.
انطلقت السيارة بركابها الحالمين بغد أفضل غير آبهين بالحواجز التي قد تتقصدهم في الطريق وكأن طريق العودة معبدة بالغيوم "إنها نشوة الحصول على سلفة في بلادنا هههه".
"لمن سيذهب النصف الآخر من النقود؟!"... فالدين أكبر من هذا والطبيب حباله طويلة في الزيارات والمصروف لا بد من تقشفه و... و...
"حد نازل هون؟؟" تصعقه عبارة السائق ليكتشف أنه أمام المنزل، إنه مشغول بتجهيز نفسه لنظرات بلا ألم، جرعة أخف من الألم سترمم فقدانا للثقة بدأ بالتشكل بينه والعائلة، سيحمل لهم أشعة الأمل التي تنطلق من مكان ما يحيط به، ويدخل برفق تحنو يده على مقبض الباب مستغلا في الوقت نفسه فرحة داخلية لترسم بسمة على وجه تغيرت ملامحه منذ ما يقارب الساعة، تقترب شذى مقبلة إيّاه ثم يباغته الباب مفتوحا وإذا بالزوجة تدخل، هي أيضاً تغيرت ملامح وجهها منذ ما يقارب الساعة...
***
"أم جهاد لم تقبض معاش زوجها"...
تفاجأ، فلم يسبق له أن سمع تفاصيل بشأن مساعدات الشهداء والأسرى "يبدو أن سلفهم ستتأخر بعضا من الوقت"، فكرة هبطت بتأن معتاد على دماغه وأصوات من داخله بدأت تصرح بمعرفتها للمكان الذي ستذهب إليه نصف السلفة التي تساوي ربع راتبه المتأخر منذ ستة شهور وذهبت إلى أم جهاد وأولادها الستة دون لحظة انتظار أو مراجعة. وبالنسبة للديون فالقضية طويلة وليس انتصاراً أن تسدد من البداية، لا بد له من مقاومة الدكان المجاورة والأخرى في رأس الحارة والثالثة خلف البيت.
إنّهم جميعا الآن يتسلون بلمسة دفء وأشعة أمل تخرج من مكان ما يحيط بهم. واحتفالا بالمناسبة ليكن العشاء وليمة فاخرة من الزيت والزعتر و...الجبنة...؟!