قراءة كتاب العقد الاجتماعي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العقد الاجتماعي

العقد الاجتماعي

كتاب "العقد الاجتماعي" للفيلسوف والمفكر السويسري جان جاك روسو، والذي ترجمه للعربية الكاتب والباحث والمفكر العربي عادل زعيتر؛ ويقول زعيتر في مقدمة كتابه المترجم:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 9

وإذا ما استطاع كلّ واحد أن يبيع نفسه فإنّه لا يقدر على بيع أولاده، فهؤلاء الأولاد يولدون أناسًا وأحرارًا، وتكون حريّتهم خاصّة بهم، فلا يستطيع أحد غيرهم أن يتصرّف فيها، ويمكن أباهم، قبل أن يبلغوا سنّ الرشد، أن يضع شروطًا لحفظهم وسعادتهم، لا أن يهبهم هبة مطلقة لا رجعة فيها وذلك لأنّ هذه الهبة مخالفة لمقاصد الطبيعة وتجاوز حقوق الأبوة، ولذا يُقتضى تحوّلُ الحكومة المرادية(7) إلى حكومة شرعية أن يكون الشعب في كلّ جيل حكمًا في قبولها أو رفضها، ولكن هذه الحكومة تعود غير مرادية إذ ذاك.
وتنزُّل الإنسان عن حريّته يعني تنزُّلًا عن صفة الإنسان فيه وتنزُّلًا عن الحقوق الإنسانية، وعن واجباتها أيضًا، ولا تعويض يمكن لمن يتنزّل عن كلّ شيء، وتنزّلٌ كهذا يناقض طبيعةَ الإنسان، ونزعُ كلّ حريّة من إرادة الإنسان هو نزع كلّ أدب من أعماله، ثم إنّ من العهود الباطلة المتناقضة اشتراطَ سلطان مطلق من ناحية وطاعة لا حدّ لها من ناحية أخرى، أليس من الواضح أنّنا غير ملزمين بشيء نحو شخص يحقّ لنا أن نطالبه بكلّ شيء؟ أليس هذا الشرط وحده يتضمّن بطلان العقد عند عدم وجود بدل أو معادل؟ وأيّ حقٍ يكون لعبدي تجاهي ما دام كلّ ما عنده خاصًّا بي، وما دام حقّي هذا تجاه نفسي كلمة لا معنى لها مطلقًا عن كون حقّ عبدي هو لي؟
ويستنبط غروسيوس وآخرون من الحرب مصدرًا آخر لحقّ العبودية المزعوم، فبما أنّ للغالب عندهم حقّ قتل المغلوب فإنّه يمكن المغلوبَ هذا أن يشتري حياته على حساب حريّته، ويكون هذا العهد أكثر العهود شرعية لقيامه على نفع الطرفين.
بيد أنّ من الواضح عدم صدور حقّ قتل المغلوبين المزعوم هذا عن حال الحرب قطعًا، ولهذا وحده لا تجد بين الناس، الذين يعيشون على استقلالهم الفطري، أيّة علاقة ثابتة بما فيه الكفاية يكونون بها في حال السّلم وحال الحرب، فلا يكون بعضهم عدوّا لبعض بحكم الطبيعة، وعلاقة الأشياء بعضها ببعض، لا علاقة الناس، هي التي توجب الحرب، ولا يُمكِن حالَ الحرب أن تنشأ عن الصّلات الشخصية، بل تنشأ عن الصّلات الحقيقية فقط، ولا يمكن الحربَ الخاصّة أو حربَ الإنسان للإنسان أن تكون في الحال الطبيعية حيث لا يوجد ملك ثابت مطلقًا، ولا في الحال الاجتماعية حيث يكون الجميع تحت سلطان القوانين.
وتعدّ المنازعات الخاصّة والمبارزات والمصارعات أفعالًا لا تتألّف منها مهنة مطلقًا، وإذا نظرت إلى الحروب الخاصّة التي أباحتها نظامات ملك فرنسة، لويس التاسع، ومنعها السلام الإلهي، وجدتها من سوء استعمال الحكومة الإقطاعية، هذا النظام المضادّ للصواب إذا ما وجد، والمخالف لمبادئ الحقوق الطبيعية وكلّ سياسة صالحة.
وليست الحرب، إذن، صلة إنسان بإنسان، بل صلة دولة بدولة، أي صلة لا يكون بعض الناس فيها أعداء لبعض إلا عرضًا، وذلك كجنود، لا كأناس مطلقًا، ولا كمواطنين(8) أيضًا، وذلك كحُماة الوطن، لا كأعضاء له مطلقًا، ثم إنّ كلّ دولة لا يُمكن أن يكون لها من الأعداء غير دول أخرى، لا أناسٌ، لما لا يمكن أن يقرَّرَ بين مختلف الطبائع أيّةُ علاقة حقيقية.
ثم إنّ هذا المبدأ يلائم جميع القواعد المقرّرة في جميع الأزمنة وتعاملَ جميع الأمم المتمدنة الدائم، وشَهرُ الحرب أقلُّ إنذارًا إلى الدول ممّا إلى رعاياها، وليس الأجنبي الذي يسرق، أو يقتل، أو يَعتقل، الرعايا من غير شهر الحرب على الأمير عدوًّا، بل قاطع طريق، سواء أكان ذلك الأجنبي ملكًا أم فردًا أم شعبًا، حتّى إنّ الأمير المنصف يستولي في بلاد العدوّ، حين الحرب، على كلّ ما هو خاصّ بالجمهور، ولكن مع احترام شخص الأفراد وأموالهم ومع احترام الحقوق التي قامت عليها حقوقُه، وبما أنّ غاية الحرب هي تقويض دولة العدوّ فإنّ من الحقّ قتل حُماتِها ما داموا حاملين سلاحًا، فإذا ما وضعوا هذا السلاح وسلّموا أنفسهم عادوا لا يكونون أعداء أو أداة للعدوّ، بل صاروا أناسًا فقط، وأصبح لا يكون لأحد حقّ في نزع حياتهم، ومن الممكن أحيانًا قتل الدولة من غير قتل أحد من أعضائها، والواقع أنّ الحرب لا تمنح حقًّا غير ضروري لبلوغ غايتها، وليست هذه مبادئ غروسيوس، ولم تقم على براهين الشعراء، وإنّما تُشتَقّ من طبيعة الأمور، وتستند إلى العقل.
وليس للفتح أساس غير قانون الأقوى، وإذا كانت الحرب لا تمنح الغالب حقّ قتل الشعوب المغلوبة مطلقًا فإنّ هذا الحقّ الذي ليس له لا يُمكِن أن يُقِيم حقّ استعبادها، ولا يحقّ قتل العدو إلا عند تعذُّر استرقاقه، وحقّ استرقاقه لا يأتي، إذن، من حقّ قتله، وتعد، إذن، مبادلة جائرة تلك التي يُحمل بها على اشتراء حياته بحريته مع أنّه لا حقّ للغالب على الحياة، أليس من الواضح أنّه يُوقَع ضمن دائرة معيبة بإقامة حقّ الحياة والموت على حقّ الاسترقاق وبإقامة حقّ الاسترقاق على حقّ الحياة والموت؟
حتّى إنّني أقول، عند افتراض هذا الحقّ الهائل في قتل الجميع، إنّ العبد الذي مُلِك في الحرب، أو الشعب المقهور، غير ملزَم نحو مولاه بغير الطاعة ما أُكرِه عليها، والغالب، إذ يأخذ منه ما يعدل حياته، لا يكون قدّ منّ عليه بها مطلقًا، أي قد قتله قتلًا مُجديًا بدلًا من قتله على غير جدوى، وبَعُدَ، إذن، نيلُه عليه سلطانًا مضافًا إلى سلطان الحرب، فتظلّ حال الحرب قائمة بينهما كما في الماضي، وتكون صلة كلٍّ منهما بالآخر معلولًا لها، ولا يَفترِض استعمالُ حقّ الحرب أيّةَ معاهدة سلم، أجل، قد وُضع عهد، غير أنّ هذا العهد يفترض دوام حال الحرب مع بُعده من القضاء عليها.
وهكذا، مهما تكن الجهة التي يُنظر منها إلى الأمور، يكون حقّ الاسترقاق باطلًا، لا لأنّه غير شرعي فقط، بل لأنّه مخالف للعقل خالٍ من كلّ معنى أيضًا، فكلمتا الاستعباد والحقّ متناقضتان، متنافيتان مبادلة، ومن الحماقة أن يقول رجل لرجل أو لشعب: أضع معك عهدًا يجعل كلّ غرم عليك وكل غنم لي، وأراعي هذا العهد ما راقني وتراعيه ما راقني.

الصفحات