قراءة كتاب خطاب عن الاستعمار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خطاب عن الاستعمار

خطاب عن الاستعمار

كتاب " خطاب عن الاستعمار " ، تأليف ايميه سيزير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

هذا تم حسمه، أُقر بأنه من الأمر الجيِّد أن نضع مختلف الحضارات في اتصال مع بعضها بعضاً؛ هذا أمر ممتاز لمزج مختلف العوالم؛ ومهما تكن عبقريتها الخاصة، فالحضارة التي تنطوي على نفسها تضمر، وهذا من أجل الحضارات، فالتبادل هو الهواء؛ إنّ من حُسن حظّها العظيم لأوروبا أنها كانت على مفترق الطرق، ولهذا كانت موضِع جميع الأفكار، وعاء لجميع الفلسفات، مكان التقاء الآراء، لقد كانت المركز الأفضل لإعادة توزيع الطاقة.

لكن بعد ذلك أسأل السؤال التالي: هل فعلاً وَضَعَ الاستعمار الحضارات على اتصال؟ أو، إذا كنتَ تفضل، بين جميع الطرق لإقامة الاتصال، هل كان الاستعمار هو الطريق الأفضل؟

أجيب بلا.

وأوكد أنّ بين الحضارة والاستعمار مسافة لا نهائية؛ إنها خارج جميع الحملات الاستعمارية التي تم التعهد بها، خارج جميع القوانين التي تم ترتيبها، خارج جميع المذكرات التي تم إيفادها عبر جميع الدورات الوزارية حيث لا يمكن أن تأتي قيمة إنسانية واحدة.

أولاً يجب علينا أن نبحث كيف يعمل الاستعمار لتجريد المستعمِر من المدنية[2]، ليتوحّش عليه بالمعنى الحقيقي للكلمة، لتحقيره، لإثارته باتجاه الغرائز المدفونة، باتجاه الجشع، العنف، الكراهية العرقية، والنسبيّة الأخلاقيّة؛ ويجب أن نُظهِر أنّ، في كل مرّة يُقطَع الرأس أو تُقلَع العين في فيتنام ويرضون عن ذلك في فرنسا، في كل مرّة تُغتصب فتاة صغيرة ويرضون عن ذلك في فرنسا، في كل مرّة يُعذَّب مدغشقري ويرضون عن ذلك في فرنسا، تكتسب الحضارة وزناً إضافياً مميتاً، يحدث انحدار كوني، تنشأ الغرغرينا، ويبدأ مركز الإصابة بالانتشار؛ ففي نهاية كل هذه المعاهدات التي تم انتهاكها، كل هذه الأكاذيب التي تم نشرها، كل هذه الحملات التأديبية التي تم التغاضي عنها، كل هؤلاء السجناء الذين تم تقييدهم و«استجوابهم»، كل هؤلاء الوطنيين الذين تم تعذيبهم، وفي نهاية كل هذه الغطرسة العنصريّة التي تم تشجيعها، كل هذا التبجح الذي تم إظهاره، سمٌ قد قُطِّرَ داخل شرايين أوروبا؛ فتمضي القارة قدماً باتجاه الوحشية، ببطء لكن بثبات.

لكن في يومٍ صافٍ، أُيقظت البرجوازية بالصدمة المروّعة المرتدّة: الغستابو مشغولون، تُملأ السجون، يقف المعذِبون حول أدواتهم، يخترعون، ينقِّحون، يتناقشون.

الناس مدهوشون، ساخطون. قد يقال: «كم هذا غريب! لا تقلق ـ إنها النازية وستعبر!» قد ننتظر، وقد نأمل، وقد نخفي الحقيقة عن أنفسنا، إنها الهمجية، ولكنها الهمجية العُليا، التي تتوِّج، وتلخّص كل الرتابة الهمجية اليومية؛ إنّها لنازية، أجل، ولكن قبل أن نصبح ضحاياها، كنا شركاءها: إنّ النازية هذه، قد دعمناها قبل أن تسقط علينا، لقد أغمضنا أعيننا من فوق، شَرَّعناها، لأنّها، حتى آنذاك، لم تطبّق إلا على الشعوب غير الأُوروبية؛ إنّ النازية هذه، هي التي احتضناها وكنا المسؤولين عنها، والتي تُصِم، وتخرق، وتتسرب، قبل أن تبتلع بمياها المحمِّرة، كل فجوات هذه الحضارة الغربية، المسيحية.

أجل، قد يكون من المجدي أن نَدرُس سريرياً، بالتفصيل، الخطوات التي اتخذها هتلر والهتلرية لنظهر للمتميِّز جداً، الإنساني جداً، البرجوازي المسيحي جداً للقرن العشرين دون أن يكون له علِم بذلك، أن لديه هتلراً بداخله، أن هتلراً يسكنه، أن هتلراً هو شيطانه، وإن أدانه، فهو يكون متناقضاً. وذلك، في الأساس، ما لا يستطيع مسامحة هتلر عليه هو ليس الجريمة بحد ذاتها، الجريمة بحق الإنسان، ليس إذلال الإنسان بحد ذاته، إنما الجريمة بحق الإنسان الأبيض، إذلال الإنسان الأبيض، وحقيقة أنه طبَّقَ على أوروبا الاستعمارية الإجراءات التي كانت إلى ذلك الحين محفوظة حصرياً لعرب الجزائر، «كوليي» الهند (coolies)، و«عبيد» أفريقيا (niggers)[3].

وهذا هو الشيء العظيم الذي أحقد عليه ضد شبه الإنسانية: إنّها ولفترة طويلة قد قلّصت حقوق الإنسان، على أن مفهومها لهذه الحقوق كان- ولا يزال- ضيقاً مُقطَّعاً، ناقصاً ومنحازاً، وكل الأشياء المعتبرة فيها، عنصرية قذرة.

الصفحات