كتاب " خواطر بلون الأيام " ، تأليف حنان عواضة سويد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
نولد في لحظة ألم
نصرخ، ولمَ نصرخ؟
أنت هنا
قراءة كتاب خواطر بلون الأيام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

خواطر بلون الأيام
12 تموز تاريخ أتمنى ألّا يعود
لو كان مناسباً أن يُمحى من روزنامة ِ أيامي لمحوته. 12 تموز أصبح تاريخاً مشؤوماً، فقد حوّل الفرحة والبسمة على وجوه جميع الناس إلى حزن ٍوكآبة. صباح 12تموز، ولحظة ما سمعنا عن عمليةِ الخطف التي تمت في خراج بلدة مارون الرأس، البلدة الجنوبية الصامدة، فقد غمرتنا الفرحة وصرنا نتبادل التهاني بهذا النجاح الذي طالما انتظرناهُ، كما كنا عند كل عملية ناجحة للمقاومة تنزل خسائر فادحة بالعدو. فكان للخبرِ وقعٌ حسن عند عامةِ الناس، والفرحة والابتهاج اللذان عمّا الشوارع، لم يستمرّا سوى ساعات حتى تحول المشهد إلى قلق ٍوخوف وخصوصاً عند سكان المناطق الحدودية، إذ عندما بدأ القصف، كانت معظم العائلات قد أتت للاصطياف من مختلف أصقاع العالم، لرؤية الأهل والأقارب والتمتع بطقس صيف جميل. لم تكتمل الفرحة..ابتدأت المعاناة. إنها الحرب، حربٌ غيرَ كلِّ الحروب. فالدمار فاق كلّ تصور وخصوصاً في الأيام الأخيرة حين سقطت آلاف القنابل الذكية على البنايات فكانت تسوّيها بالأرض. إنها الجريمة البشعة بأعلى مقاييسها، فقد حصدت المواطنين الأبرياء؛ ذنبهم أنهم دعموا المقاومة، فقضت ارادة الشرّ والعدوان على بيوتهم وأملاكهم وعلى مصادر رزقهم، وهل هذهِ البيوت ُقواعد عسكرية! أم أنهُ قصاصٌ لهم على مواقفهم؟
في الماضي كنتُ كلما أشاهد العدو من على شاشة التلفزيون يهدم البيوت فوق أصحابها، يعتريني غضب داخلي لا يوصف، فكيف إذا كانت من البيوت بيوت أقاربي وأصحابي وجيراني...لكن رحمةً من اللهِ أن معظم البيوت كانت خالية من أصحابها، وإلا كان الضحايا بعشرات الآلاف. لا أريدُ أن أتذكر أيّةَ مشاعر عشناها، أي غضب اجتاحنا. فبأي حق تدمر دولةٌ دولةً أخرى رداً على عملية خطف جنديين، فهذا حقهم، لديهم أسرى عند هذا العدو... لقد دمرت البنية التحتية والجسور والمعامل والمصانع واستباحت أرضه وسماءه من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال والبحر والجبل وكلّ منطقة فيه، وبالتحديد المناطق الداعمة للمقاومة. دمار، دمار، دمار، أينما ذهبت، في الضاحية، في معظم قرى الجنوب، في بنت جبيل، في مارون الرأس، في الخيام..فقد كانت قلاع صمود، وستبقى، وإن فكر العدو أن يعيد 12 تموز آخر، فستكون أرض الجنوب مقبرته.
إن لهذا التاريخ وجهاً آخر غير الألم والحزن..لقد قلب المقاييس وغيّر التاريخ. فعند نهاية الحرب في 12 آب ثبُتَ فشل الإسرائيلي في تحقيق أهدافه، ولم تقض الحربُ على المقاومة بل زادتها قوةً؛ فلم يستطع العدوالوصول إلى مياه ِالليطاني، ولا استطاع أن يقف قائد الحرب عندهم، وأن يعلن من بنت جبيل أن إسرائيل أقوى من الفولاذ، وليس أوهن من بيت العنكبوت، كما أعلن السيّد من المكان نفسه، ولا استطاعت أن تقتلع حب المقاومة وسيدها من قلوب اللبنانيين، بل تضاعفت شعبيته لتطال كل الأمة، فكانت طلّاته التلفزيونية خلال الحرب بمثابة الأوكسيجين للشعب والمقاومة والمقاومين، تعطيهم الحماس والدفع للصمود.
12 تموز مضى، ولن يعود، وعلينا أن ننساه، ننسى الحزن والكآبة، ونستبدل هذه المشاعر بمشاعر الرضى والاطمئنان. طالما هناك مقاومة، علينا أن نحميها، ونكون سداً منيعاً في وجه العدو، وطالما هناك سيدٌ يذود عنها، ومن أسمى صفاته بأنه إذا وعد صدق، وقد وعد بإعمار ما تهدم، وبأنها ستعود أجمل مما كانت، وبمساعدة كل الأشراف، فقد عادت أجمل مما كانت، الضاحية والخيام وكل القرى.
وأخيراً، سنحاول النسيان، نسيان الدمار والمآسي، لكن ما يجب أن نؤكد عليه أنه لا حرية ولا سيادة من دون ثمن، وكان الثمن غالياً جداً، لكن التاريخ يؤكد أن الأوطان أثمانها غالية.

