كتاب " كازانوفا في بولزانو " ، تأليف ساندور ماراي ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب كازانوفا في بولزانو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كازانوفا في بولزانو
كان ذلك لأن النساء يرغبن في رؤيته، نسوة سوق الفاكهة المقابل لفندق الستاج مباشرةً ـ لوتشيا وجريتيل بائعتا الزهور، وهيلينا العجوز بائعة الفاكهة المتجولة، ونانيت الأرملة الكئيبة بائعة الجوارب الكروشيه ـ وقد وعدتهن تيريزا أنها، إن استطاعت، فستُدخلهنّ الحجرة وتدعهن ينظرن من ثقب المفتاح. كن يرغبن في رؤيته مهما تكلّف الأمر. كان سوق الفاكهة مزدحماً بصفة خاصة اليوم، وقف الصيدلي على عتبة متجره المواجه لفندق الستاج يتجاذب أطراف حديث طويل مع بالبي، السكرتير، حاول تسليته قليلاً بأن حضّر وجبة طعام مطهو على النار مباشرة آملاً في أن يكشف له بالبي المزيد من تفاصيل هروبهما من السجن. في الصباح جاء العمدةُ والطبيب ومأمور الضرائب ومأمور البلدة ليستمعوا لبالبي في محل الصيدلي. كانوا يلقون بنظرات خاطفة على نوافذ الطابق الأول لفندق الستاج الموصدة، وكان في سلوكهم جميعاً شيء غير قليل من الإثارة والارتباك، كأنهم عاجزون عن اتخاذ القرار فيما إذا كان عليهم إقامة حفل للترحيب بقدوم الغريب بموكب ومشاعل وموسيقى ليلية، أم يرسلونه في كومة كما يفعل صائدو الكلاب بالحيوانات التي يمسكونها والمشتبه في إصابتها بالجرب أو بداء الكلب. لم يستطيعوا اتخاذ قرار في هذا الشأن، سواء في ذلك الصباح أو الصباحات التي تلته. وهكذا ظلوا في محل الصيدلي، يثرثرون ويستمعون لبالبي، الذي انتفخت أوداجه، بالمعنى الحرفي للكلمة، كبرياءً وحماسة، فظل يسرد وقائع ملحمة كبرى بعيدة كل البعد عن ما حدث، ويضيف لها من حين إلى آخر محسّنات بديعية متجددة أبداً من الأشعار الملحمية؛ وكانوا ـ هم طوال الوقت ـ واقفين يرشقون النوافذ الموصدة لفندق الستاج بنظرات سريعة، أو يجوبون بين أكشاك الفاكهة ومتاجر الأطعمة الشهية المجاورة، يتصرّفون بصفة عامة بعصبية ما، يُبدون قدراً من القلق والارتباك كما هو متوقع من المواطنين الصالحين المنوط بهم مسئولية تأمين مداخل البلدة وإطفاء الحرائق وصيانة إمدادات الماء والدفاع عنها في حال الاعتداء عليها من قبل قوى معادية. مع ذلك لا يعلمون ما إذا كان عليهم أن ينفجروا بالضحك أم يستدعوا الشرطة. وهكذا ظلوا يتحدثون ويتجولون بلا هدف حتى الظهيرة، فشرعت النسوة في إقفال أكشاكهن وانصرف المواطنون الصالحون لتناول غدائهم.
الآن إذاً استيقظ الغريب. أدخلت تيريزا النسوة إلى الردهة المظلمة. «أرينا... ما شكله؟» تهامسن وهن يقبضن على أطراف مآزرهن ويضعن قبضاتهن في أفواههن. تحلّقن في نصف دائرة أمام باب غرفة النوم. كن خائفات وسعيدات، بعضهن على وشك الانفجار بضحك عالٍ كأن أحدهم يدغدغ خصورهن. وضعت تيريزا إصبعاً على شفتيها ثم أخذت أولاً بيد لوتشيا، فينوس السوق السمينة ذات العينين البندقيتين، وقادتها إلى الباب. قرفصت لوتشيا فانتفخت تنورتها مثل جرس وُضع على الأرض، ونظرت في ثقب المفتاح بعينها اليسرى، ثم صدرت عنها صرخة واهنة وتضرج وجهها بالحمرة ورسمت الصليب على نفسها.
ـ «ماذا رأيتِ؟» سألتها النسوة بهمس وهن يتجمعن حولها برفرفة عالية كغربان تحط على فرع شجرة. فكرت الجميلة ذات العينين البندقيتين ثم قالت بصوت واهن وعصبي:
ـ «رجل».
ظللن وهلة قبل أن يستوعبن ما قالته. كان ثمة شيء ما غبي وغريب ومخيف في إجابتها. «رجل! يا إلهي!» فكرن وهن يشخصن بأبصارهن في السقف، لا يعرفن هل يضحكن أم يهربن. قالت جريتل:
ـ «رجل، حسناً، هل تصدّقن هذا!»
ضمت هيلينا العجوز راحتيها بورع قليلاً وتمتمت بخشوع، بلثتها الخالية من الأسنان:
ـ «رجل!»،
وحدقت الأرملة نانيت في السقف كأنها تستعيد ذكرى ما، ورددت بجهامة:
ـ «رجل».