أنت هنا

قراءة كتاب غاردينيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غاردينيا

غاردينيا

مملكة غاردينا وجدت ولم تزل في دنيانا المعاصرة. وهي نموذج واقعي يحاكي كثيراً من أنظمة ودول العالم الثالث.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
"...مجرد شعارات مرحلية لا يستفيد منها إلا أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء...أو من كان على شاكلتهم...نحن أهل الصحراء لا بواكي لنا إلا آلامنا ومعاناتنا...ولا ينبغي أن نركن إلا إلى إرادتنا وإيماننا بالنهوض والتقدم إلى الأمام...".
 
في تلك البيئة تفرض قسوة الصحراء وجفافها المريع على القاطنين فيها لعبة التعايش الرهيبة بينهم. وكان الغزو بين القبائل من أكثر ما ميز حياتها الصحراوية وقسوتها، والعنف الذي كان سمة فيها. وقد تزامنت مع سنة الجراد الحالق كثرة الغزو، وكانت الغرابة الشرقية مصدراً لها، إذ كثيراً ما عانت البلدات الواقعة على أطراف الغرابة الغربية من النهب والسلب جراء الغزوات التي تعرضت لها بين الحين والآخر. واستطاعت جماعات الغزو أن تبث الرعب في تلك البلدات. وكثيراً ما كانت تقوم بتلك الغزوات تحت جنح الظلام، فتخطف النساء والأطفال الذكور والإناث لقاء فدية من الذهب أو الفضة أو البهائم كالجياد والبغال والبعير والغنم، أو لقاء مواد غذائية مثل القمح والشعير أو اللبن المجفف الذي يُستعمل في تحضير أطعمة الصحراء. وفي بعض الحالات كان الغزاة يبيعون الأطفال المخطوفين في أسواق الرقيق لقاء أثمان زهيدة، أو يستعملونهم كعبيد أو إماء لفترة ثم يبيعونهم. وقد توارث غزاة الصحراء هذه الممارسات القاسية منذ مئات السنين. وبسببها وقع كثيرٌ من المآسي والفواجع على العائلات التي خُطف أحدُ أفرادها، خاصة إذا لم يطلب الخاطفون فدية لقاء الإفراج عن المخطوف، فيعرف الأهل أن فقيدهم لن يعود لهم أبداً! فقد يتم نقله إلى الممالك المجاورة أو البعيدة كي يُباع في سوق الرقيق. وقد كانت مثل هذه الحوادث كثيرة، خاصة في ظل الصراع الذي دام لسنوات طويلة بين الغرابة الغربية والغرابة الشرقية، وعانى منها الطرفان بشكل كبير.
 
كانت أعراف الغرابة الغربية وتقاليدها الدينية الراسخة تحظرُ على المكاسير المشاركة بغزو القبائل أو أن يُشجعوا غيرهم على مثل هذه الغزوات، لأن مكانتهم الدينية ترفعهم فوق هذه الممارسات غير الإنسانية. ورغم ذلك، فقد شارك الابن الأكبر للشيخ، وكان اسمه " داهي "، في بعض الغزوات دون علم أبيه الذي كره مثل هذه الأعمال الشنيعة أنى كان فاعلها، ووصفها بـ "...أفعال الضباع الملعونة...".
 
وقد شارك داهي في أكثر من غزوة، وكان يغنم المال والماشية والبهائم على أنواعها، فيتقاسمها مع أصحابه الذين يشاركونه العمل. وفي إحدى الغزوات لم يتمكن داهي من الظفر بأي شيء من المال أو ما شابه، ما اضطره إلى خطف امرأة من القبيلة التي أغار عليها مع أصحابه. وأنفذ بخبرٍ إلى زوج المرأة المخطوفة أنه لم يجد لها مكاناً عادياً للمبيت. وخوفاً عليها من الاغتصاب فإنه سوف يُهيّئ لها مبيتاً في قفص ٍ مع ضبعٍ، كان داهي قد أدام له وأطعمه طيلة سنواتٍ حتى كبر وأصبح مفترساً. وطلب من الزوج أن يدفع له فدية قدرها عشر أوقيات من الذهب لقاء الإفراج عنها. وقد كان داهي موْلعاً بالضباع وحياتها الاجتماعية. ومن شدة ولعه بها سماه أصحابه المقربون بـ " أم عامر ".
 
وعندما وصلَ الخبرُ إلى زوج المرأة المخطوفة أسرع بإرسال الذهب المطلوب إلى أم عامر- ولم يعرف أبداً أنه داهي ابن الشيخ الجليل- أما أصحاب داهي فلم يُحكموا وثاق الضبع بالجنازير المعدة لذلك، فقفز الضبعُ على المرأة داخل القفص وأجهز عليها في لحظات، ولم يتمكن داهي أو أصحابه من إنقاذ المرأة من الموت المحقق. ولما وصل الرسول بالذهب المطلوب من زوج المرأة، أمر داهي رفاقه أن يأخذوا الذهب منه ويقتلوه. فكانت الحادثة أول قتل لرسولٍ يقوم به غزاة الصحراء، لأن أعرافهم تمنع قتل الرُسل مهما كانت الأحوال، ويعتبرون ذلك خيانة عظمى. وذهبت الحادثة مثلاً بين ألسنتهم لعقود طويلة بأن "...لا تأمنوا أم عامر...".
 
في العام 1792، أي بعد الثورة الفرنسية بثلاث سنوات، تعرضت بلدة " جبل الشيخة "، التي كانت مركزاً للمكاسير، إلى غزوات عدة خلال فترة قصيرة، حدث معظمها في الليل. واستطاع الغزاة في إحداها أن يخطفوا سلمى، وهي الأخت الصغرى والجميلة للشيخ. وترك الغزاة رسالة للشيخ طلبوا فيها فدية لقاء الإفراج عنها. وكان مقدار الفدية خمسمائة أوقية من الذهب الخالص، وجوادين عربيين أشهبين- وهو اللون المفضل عند سكان الصحراء- إضافة إلى ألف كرةٍ من اللبن المجفف - على أن لا يقل وزن الكرة عن رطلين إنجليزيين- وألف صاعٍ من القمح المجروش. وقد ذيُلت الرسالة بملاحظة تتضمن تهديداً باغتصاب سلمى ثم قتلها إذا لم تسلم الفدية خلال أربعين ليلة. وعلى ما بدا للشيخ والمقربين منه، كان الشرط مُعجزاً وقصد منه إهانة الشيخ وتلطيخ سمعته بين القبائل.

الصفحات