أنت هنا

قراءة كتاب غاردينيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غاردينيا

غاردينيا

مملكة غاردينا وجدت ولم تزل في دنيانا المعاصرة. وهي نموذج واقعي يحاكي كثيراً من أنظمة ودول العالم الثالث.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
"...كالمستجير من الرمضاء بالنار!..."، ولم يعرف أحدٌ مقصدها.
 
وتحدث شيئاً قليلاً عن المأساة التي تطوّق حياته. فكثيراً ما كانت ترتسم في مخيلته صور عن أحداث الماضي الأليمة، وكيف خطف الغزاة أخته التي أحبّها، ثم أعدموها بموجب قانون الصحراء الذي لا يرحم، وغدْرُ الأوروبيين به، والجفاف الذي أتى على معظم غذاء الإنسان والحيوان في الغرابة الغربية، وسنة الجراد الحالق، ثم موت رفاقه الأربعة من الجوع والعطش في لهيب الصحراء الحارق.
 
في تلك الأثناء، وكي يتمكن الأوروبيون من السيطرة على خيرات المنطقة واستغلالها بأبشع صورة، عرض القادة العسكريون على الشيخ أن يقتطعوا له جزءاً من أرض القبائل الرحّل، التي تقع شمال الغرابة، كي يؤسس مملكة عليها، لكن الخطة لم تكتمل بالسرعة التي أرادها العسكريون لأن الشيخ مرض ولزم فراشه بعد موت أصحابه. وبقي على هذه الحال لعدة سنوات إلى أن فارق الحياة تحت وطأة الضغط النفسي الذي سببته تلك الأحداث. وكانت آخر كلمات نطق بها، وعيناه تفيض بالدمع:
 
"...لا تأمنوا لهؤلاء الأوغاد الذين يدّعون الحرية والمساواة...والديموقراطية والإنسانية...إنهم وحوشٌ هائمة لا تتوانى عن أكل بعضها البعض عندما لا تجد شيئاً تأكله!...احترسوا من ابتساماتهم، إذ إن فيها الفتنة القاتلة...ونصائحهم التي تطفح سُماً...سيحاولون نهب خيرات بلادكم بحجة تطويرها لمنفعتكم...وسيعطونكم بدلاً منها آلات تتلهون بها أنتم وأطفالكم...يعطونكم بدل الزيت الذي لا يُعوض ساعات مرصعة بالماس...ويعطونكم بدل المعادن النفيسة ألبسة كالتي يلبسونها حتى تحسبوا أنفسكم منهم...يا أبنائي أستحلفكم بالرب أن لا تدعوا خداعهم يطيرُ بكم فوق السحاب وأنتم فوق الأرض...حذارِ...حذارِ !...".
 
وبعد وفاة الشيخ سرت بين القوم شائعات مفادها أن الابن الأكبر للشيخ قد دسَّ السُم في طعام أبيه كي يتخلص منه وتُمهَد الطريق أمامه لتأسيس دولةٍ له، بناءً على وعدٍ من الأوروبيين.
 
توفي الشيخ مساء يوم الثاني عشر من آذار (مارس) 1820، وكان له من العمر أربع وستون سنة. ودُفن في الليلة ذاتها ولم تتحقق أي من أحلامه التي أطفأ حياته فيها، ونعاه أحد أصحابه المقربين بكلمات قليلة مؤثرة، وهو يبكي:
 
"...رحلت أيها الشيخ الجليل...وكنت من القلب جدَّ قريب ...
 
كنت الأريب الأديب...ما خلتك يوماً من مُريب ...
 
ليحفظك الرب بالقدر العظيم...".
 
وكانت أمه على قيد الحياة، فأنشأت فوق رأسه تقول وهي تنحب وتذرف دموع الفاجعة:
 
"...أطفأت عمرك في الأحلامْ...ولم تذق طعم المنامْ ...
 
لو علمت غدرَ الأنامْ...لاخترت إلاَّ أن تنامْ ...
 
كنت ناراً وكثبان...والبوق أحالك دخان ...

الصفحات