أنت هنا

قراءة كتاب مئة سنة من الحب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مئة سنة من الحب

مئة سنة من الحب

كتاب " مئة سنة من الحب " ، تأليف عماد أنيس بيطار ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

«لا أصدق أنكَ راحل!». قالت ذلك وهي تعانقه، ثم لمستْ شعره بيدها. تراجع خطوة. أمسكته من يده مانعة اتساع المسافة بينهما. حركت شفتيها همساً: «إبق قليلاً». بقي واقفاً. اقتربتْ منه أكثر فأكثر. فكت أزرار قميصه. وراحت تتوقع منه شيئاً حميمياً في تلك اللحظة. لكنه لم يفعل! بل قال لها: لا أريد الارتباط بكِ، لا لشيء سوى أني لست على يقين من عودتي. أجابته بلكنة ساخرة: أبعد كل هذا الحب الذي أحببتكَ إياه، تقول ذلك؟!. لم يتأخر في الردّ: أنتِ تعلمين كم من حياة تُزهق في الحروب. «بإمكانك أن ترفض، فالحرب ليست قدراً وإنما اختيار، أم أنك تفضِّل القتل على حبكَ لي؟». هكذا كان جوابها. اكتفى هو بالصمت قليلاً ثم أضاف: إن ذهابي إلى الحرب ليس حباً بها بل كره بالآخر. عندئذٍ، نظرت إليه، تأمَّلته، ثم قالت: ألهذا جئت تودّعني؟ كرهاً بالآخر! هذا الآخر الذي تجهله تماماً! ولم تلتقِ به يوماً؟! فأي وداع هذا الذي تخبّئه لي؟!

ـ بعد محاولات لا فائدة منها ابتعدت عنه ببطء وجلست على حافة السرير. شعرت أنَّ ثمة فراغاً يملأ نفسها. توسلتْ إليه أن يأتي. هي تملك شيئاً، كم رغب في الحصول عليه. لكنه لم يتزحزح من مكانه. لم تصدر عنه أية عاطفة حميمة نحوها. وحتى اللحظة، لا شيء وارد الحدوث. لذلك امتنعتْ عن الكلام. ثم فجأة، حدث ما لم يكن محسوباً؛ احتضنها بقوة. (وهنا حذفت الرقابة الرسمية بقية المشهد العاطفي). وبعد الحذف، كانا ممددين على الأرض، الواحد بجانب الآخر. هو لم يقل شيئاً. كان يخطط للرحيل بعيداً عنها. وفي هذه الحال، كان من الصعب عليه أن يخبرها. لذا فضل التريث قليلاً. أما هي، فراحت تملِّس ثوبها وتعيد ترتيب مظهرها. بيد أن هذه المرة ليست مثل سابقاتها، إذ إنّ شيئاً ما قد انتزعَ منها بطريقة خاطئة. وهنا سألته بلطفٍ: لن تذهب إلى الحرب... أليس كذلك؟ جاءت كلماته متقطعة: حتـ... حتماً.... (كان كاذباً).

ـ كنتُ أشاهد هذا الفيلم في التلفاز الموجود في المقهى. تأثرتُ كثيراً. واستغرق الأمر مني بعض الوقت لأستعيد طبيعتي ومذاق قهوتي. وأثناء ذلك، إذ بامرأة تظهر فجأة في المكان. بدت غير مهتمة بأناقتها كأنثى! فلا جمال يسترعي النظر إليه سوى شعرها القصير، مما يوحي بعدم العناية بمظهرها مثل بقية النساء. كانت ترتدي زياً مساوياً للرجال؛ جاكيت رمادية اللون وقميصاً أبيض وبنطالاً أسود يتميّز بأنه واسع من الأسفل عند القدمين. وتنتعل حذاء ذا كعب منخفض. وخطواتها تظهر خللاً في مشيتها. شعرتُ نحوها بنوع من الاحترام، لا أدري سببه؟ ومما زاد دهشتي بشأنها، أنها نظرت من حولها إلى الطاولات الفارغة، ما أكثرها، ولم تجلس إلى أي منها! بل تقدمت ناحيتي في مشية عرجاء، إذ كانت تميل بجسدها قليلاً إلى اليسار كلما خطت خطوة. حاولتُ أن أجد تفسيراً لمشيتها. والحق يُقال، إنه لم يصعب عليَّ التفكير، فإحدى رجليها أقصر من الأخرى.

ـ وصلتْ إليَّ مباشرة وسألتني بتعب ظاهر: هل تسمح لي بالجلوس إلى طاولتكَ؟ شعرتُ لحظتها برغبة حقيقية في الرفض. لكني لا أملك سبباً مقنعاً لرفض طلبها، كما لم يكن في نيَّتي إحراجها. لذا بادرت إلى الموافقة: أهلاً وسهلاً... تفضلي.

ـ جلستْ. بدت هادئة أكثر من المتوقع، باردة فوق العادة! نزعتْ عنها سترتها. فتحت حقيبتها. أخرجت هاتفها الخليوي ووضعته على الطاولة، لم تستخدمه؟!. ثم أخذت نفساً عميقاً قبل أن تعيد يدها إلى داخل الحقيبة مرة أخرى. تناولت هذه المرة شيئاً مختلفاً؛ كتاباً متوسط الحجم، أخذت تقلِّب صفحاته حتى عثرت على ورقة مطوية، أمسكتها برقة وتمهل. راحت تقرأ ما كُتب في تلك الورقة. بينما حضرتي، جالس مثل تمثال أبي الهول، لا كلام ولا سؤال ولا حتى نحنة تلفت الانتباه. لم تكن تنظر إليَّ قط. يا للغرابة؟!.

ـ كانت عاكفة على قراءة تلك الورقة بتمعن زائد. وحين انتهتْ، كرَّتْ دموعها على خدَّيها. فتحت حقيبتها مجدداً وأخرجت منديلاً صغيراً، مسحت به عينيها وجففت دموعها. فالناظر إليها يحس بالأسى نحوها، إذ هي طراز من النساء قلما تصادفه. ولا أعرف لماذا حشرتْ نفسها معي والمقهى مليء بالطاولات الفارغة! فهل إحساسها بالوحدة هو ما دعاها للجلوس إلى طاولتي؟

ـ بعد إزالة الدموع أعادت الورقة والمنديل إلى داخل الحقيبة. ويا لها من حقيبة ضخمة، تناسب رحلة طويلة وليس مشواراً صغيراً. ثم فجأة، استدارت برأسها يمنة ويسرة، كأنها تترقب شيئاً ما! وبعد ذلك مدت يدها إلى حقيبتها وأخذت تبحث عن شيء محدد؟ يبدو أنها قد عثرت عليه، لكنها لم تظهره؟ وتراءى لي أنَّ بحوزتها مسدساً، قد تستخدمه في قتل نفسها!؟ يا للمصيبة العرجاء. لذا، رحت أستعد لانتزاع المسدس من يدها فور إخراجه من الحقيبة. إلا أن الوقت مرّ ولم يحدث شيء، ويدها لما تزل داخل الحقيبة. لم يكن لدي شيء لأقوله لها، فاكتفيتُ بالنظر إليها على مضض وماذا عسايَّ أن أفعل غير ذلك؟ فمن كان مثلي رساماً، تعجبه مراقبة المواضيع التي يمكن تحويلها إلى لوحة زيتية. وهذا ما أخذتُ أخطط له في مخيلتي. وبدءاً من هذه النقطة، لم أتأخر بإلقاء نظرة فاحصة على تقاطيع وجهها، ولمحتُ أن حياةً لا تزال في عينيها رغم بشاعة الموقف الذي وضعت نفسها فيه. عندئذٍ، شعرتُ أنَّ ثمّة امرأة حقيقية على مقربة مني. ولهذا استبعدتُ فكرة موتها انتحاراً. لكني لم أشعر بالارتياح إلا حين أخرجت يدها من الحقيبة، وإذ بمرآة صغيرة وليس مسدساً، نظرتْ فيها لترى ما فعلته حفنة من الدموع بعينيها.

الصفحات