كتاب " موجز تاريخ العراق " ، تأليف د. كمال ديب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب موجز تاريخ العراق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
موجز تاريخ العراق
العهد الملكي
وعدت بريطانيا الأمير حسين الهاشمي شريف مكة بخلق مملكة عربية كبرى تضم الجزيرة العربية والولايات العثمانية السابقة في الهلال الخصيب بعد سقوط السلطنة العثمانية مقابل دعم العرب لجهود الحلفاء ضد تركيا.
زاد الأمر سوءاً بالنسبة للسلطنة اختراق الانكليز لقبائل الجزيرة العربية وتحالفهم مع الشريف حسين حاكم مكة والحجاز لقلب الحكم العثماني وتحقيق استقلال المحافظات العربية. ولكن الوعود انقلبت إلى أكاذيب عندما التقى ممثلو بريطانيا وفرنسا وروسيا على تقسيم المحافظات العثمانية التي يحتلها الحلفاء في ما بينهم. هذه التفاهمات المكتوبة التي عُرفت باتفاقية سايكس ـ بيكو (مارك سايكس وجورج بيكو اسما الديبلوماسيين البريطاني والفرنسي اللذين وقعا الاتفاقية عام 1916) قسّمت الولايات العثمانية إلى مقاطعات نفوذ كغنيمة حرب للحلفاء. وعشيّة الثورة الروسية عام 1917، فضحت الحكومة البلشفية الجديدة في موسكو هذه الاتفاقية عندما نشرت وثائق القيصر. ولكن البريطانيين نجحوا في إقناع الشريف حسين وأولاده بأنّ الوثائق التي عرضتها روسيا مزيّفة. وبعد انتصار بريطانيا وفرنسا في الحرب ثبت صدق الوثائق الروسية، إذ تقاسم المنتصرون الولايات العربية كما اتفقوا، فانتهت منطقة سورية ولبنان إلى انتداب فرنسي والعراق وفلسطين إلى انتداب بريطاني(23).
ورسم واضعو خريطة سايكس بيكو معبراً أرضيّاً بين العراق وفلسطين، لمنح بريطانيا استمرارية جغرافية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما خلق فاصلاً جغرافيّاً بين سورية والجزيرة العربية. وتدريجاً تعاظم الوجود اليهودي في فلسطين التي وعدهم الانكليز بدولة فيها، فخلق الانكليز دولة ثالثة بين فلسطين والعراق على الضفة الشرقية لنهر الأردن هي إمارة شرق الأردن، أصبحت فيما بعد المملكة الأردنية الهاشمية. ولاكتمال الصورة، سيطرت بريطانيا على معظم الجزيرة العربية ومصر والسودان باستثناء المملكة العربية السعودية التي تبعت أميركا فيما بعد. كما سيطرت فرنسا على بقية الولايات العثمانية التي وقعت في أيدي الحلفاء وخلقت دولتي سورية ولبنان وتنازلت لتركيا عن لواء الاسكندرون السوري ومدينة أنطاكيا التاريخية في شمال سورية.
خضعت التقسيمات الجغرافية للمنطقة العربية لمشيئة الدولتين الاستعماريتين ومصالحهما وذلك لتسهيل إدارة هذه الوحدات السياسية وربطها باقتصاد المتروبول. فمثلاً سهّل خلق دولة العراق من مدينة زاخو شمالاً إلى أم قصر جنوباً شحن نفط الموصل الى الخليج عبر منطقتي بغداد والبصرة. وكما فعلت في الجزيرة العربية، قامت بريطانيا بإغراء مشايخ القبائل في الأرياف والبوادي بالمال والمناصب لخلق بيئة موالية لحكمها، كما استندت في المدن إلى الزعامات المحليّة في الأحياء وإلى التجار وموظفي الادارة العثمانية البائدة وضباط الجيش العثماني من أصول عربية وكردية في العراق من الذين وقفوا الى جانب الانكليز أثناء الحرب العالمية الأولى. وهكذا، كما يفعل كل محتل، استعانت بريطانيا بنخب محليّة، ركيزة الحكم التركي السابق، لادارة البلاد. وكانت هذه النخبة من السنّة العرب الذين شكلوا آنذاك 20 بالمئة من السكان. فاستمرت اللامساواة التي خلقها الأتراك بين السنّة والشيعة لتترك أسوأ الأثر على العراق حتى نهاية القرن العشرين. ومن آثار هذه اللامساواة أنّ السلك الديبلوماسي العراقي لم يضمّ أي شيعي حتى 1956.
وإذ دخلت وحدات عربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين دمشق عام 1918 أعلن مملكة تضم سورية ولبنان. فرفض الفرنسيون ذلك لأنّ اتفاقية سايكس بيكو وعصبة الأمم وضعت لبنان وسورية تحت إدارة فرنسية، وطردت وحدات عسكرية فرنسية فيصل وجماعته من دمشق. ولكي تحافظ بريطانيا على كلمتها تجاه الهاشميين، نصّبت فيصل ملكاً على العراق باسم الملك فيصل وعيّنت مفوّضاً سامياً على العراق يدعى أرنولد ولسون. وفي آب/أغسطس 1920 أُعلنت الدولة العراقية بضم ولايتي بغداد والبصرة. وفي 1926 ضُمّت ولاية الموصل في الشمال.