كتاب " ناي " ، تأليف حسام فوزي سعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ناي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ناي
الحب يأتينا فيصيبنا في مقتل.. يأتي بلا استئذان!!
يدخل قلوبنا دون أن يقرع الباب، وعجباً كيف نرحب به!!
يسكنُ فينا ولا يتركنا إلّا وقد ترك جرحاً لا يشفيه سواه..
نتساءل في قرارة أنفسنا عنه ونحتار في وصفه!!
هل هو مصلحة أم حاجة أم حالة؟!!
تساؤلات كانت تقفز إلى رأس ذاك العاشق المتمرّد، الواقف وحيداً وأفكاره.. هناك على تل مرتفع، يشاهد منه بيروت المترفة بالأنوار.. ونظرة سارحة إلى بحر لبنان.. يستعيد بذاكرته ما مرّ به خلال يومه الأول في عمله الجديد كمدير للعلاقات العامة في إحدى شركات التأمين اللبنانية، آخذاً على عاتقه أن يقفل باب الحب أمام قلبه الجريح..
ألّا يتعلق بأي زميلة له في العمل، حرصاً على عواطفه من الانتحار..
فحبيبتـه المتعاليـة التي كـانت تعمل معـه في الشركـة، قسم المحاسبة، تركته عاشقاً مع وقف التنفيذ!
لفترةٍ بقي شاخصاً، يستعرضُ آخر لقاءاتهما.. كيف كانت ساحرة بأناقتها، كعادتها عندما جلست قربه - أثناء استراحة الغداء - تختلس نظرة تلو أخرى إلى شفتيه الرشيقتي الكلمات، يخبرها عن أهدافه، تطلعاته، حلم حياته..
باب أسراره يفتح على مصراعيه، رامياً قفلَه في بحر عينيها الزرقاوين، يحاول أن يبدأ اعترافاته، ولكنه يُحجبُ عمّا يجول في خاطره، خوف الصد أو عدم الرد.
ما كان امتناعه وتردده إلا بعد أن رآها شاردة ، ترحل بأفكارها إلى البعيد، ونظراتها الملونة بالحب تكاد تفضحُها!!
غامضة، قليلة الكلام، سارحة في سكون، كأن في صمتها وهدوئها الكثير من ضجيج الأسرار!! للحظاتٍ طوال بقيت هكذا!! إلى أن استدركت نفسَها.
أخذت هاتفها ومفاتيحها قالت وهي تهُبُّ واقفة:
ـ هيا بنا لقد تأخرت، لدي عمل كثير.
ـ لم تتناولي غداءك بعد!!
ـ لا أريد.
يقف والحيرة تشغل باله، وآلاف التكهنات تجتاحه، يسير خلفها، كلٌّ إلى مكتبه.
لم تمضِ بضعُ دقائق حتى علت أصواتٌ مرحبة، مهنئة بعودة المسافر..
من خلال الزجاج الفاصل يراه متجهاً إليها، وإذ بها تقفز من مكانها فرحاً، كأنها ترقص من عظيم لهفتها، مرتبكة اليدين، فائضة الغنج، وافرة النظرات.. يقبلها، وتخرج في رفقته.
عبارةٌ ارتمت على وسادة مسامعه متعبة من السفر على ألسنة الموظفين:
ـ إنّهُ ابنُ المدير، حلمُ حياتها، لقد عاد بعد غياب، جمال ومال..
قد تنال ترقية، ربّما تصبح يوماً ما مالكة هذه الشركة.
رصاصاتُ الغيرةِ تنطلقُ من بندقيةِ أفكاره المرهقة الآراء، فتصيبه في شجون، يهبُّ غاضباً، ثم يعود وقد نسي أن يأخذ معطفه، مفاتيحه وهاتفه.
يخرج من الشركة دون أن يقدّم عذرَ غياب ودوام العمل لم ينته بعد.
خلفهما يقود سيّارته وخيبته، وكلماتٍ يردِّدُها حانقاً: «لدي عملٌ كثير» !!.. يضرب بيده المقود، مضاعفاً سرعته، غيرَ آبهٍ لقرب المسافة بين السيّارتين..
تنعطف «الفيراري» الحمراء وفي إثرها السيارة «التويوتا» العجوز، البيضاء اللون، المرقعةُ بعدةِ صدمات..
هناك في أحد المطاعم الراقية، وقفَ متخفياً تحت أنظار الحاضرين مكشوفَ الحسرة إلّا منهما..
بعضٌ من حديث يهدر في أذنيه شلالَ حقيقة:
ـ أحبُّكِ، اشتقت إليكِ.
ـ أنا أيضاً، اشتقت إليكَ، طال غيابك عني.. لا ترحل ثانية.
ـ سأبقى لفترة، دعينا نقتنص الثواني القادمة نمضيها معاً، ما رأيكِ أن نذهبَ لاحقاً إلى شقتي؟
يهوي بيده ليضعها على ركبتها، أناملُهُ تحملُ رغبةً في مداعبة خدّها ونظرات شرهة مستعجلة فما كان منها إلا أن أبعدت يده، وباليد الأخرى تصدت لأنامل طامعة في لمسة، مستغربة هذا التصرُّف..
الصفحات
- « first
- ‹ previous
- 1
- 2
- 3
- 4