كتاب " القاتل الخفي ونقابة المجرمين" ، تأليف أجاثا كريستي ترجمه إلى العربية كمال أمين ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب القاتل الخفي ونقابة المجرمين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

القاتل الخفي ونقابة المجرمين
وفى اليوم نفسه جاء المفتش ( تيل ) يزور أرسين لوبين كما كانت عادته أن يفعل إذا ما أحدقت به الملمات .
واستهل ( تيل ) حديثه بقوله :
- لقد جئت أسألك عما فعلت فى مسكن ( المروج الكبير ) .. أعنى المفتش بروكيه ..
- لا شىء .. إذ إنى كنت فى رفقتك .
- ولكنك تحدثت تليفونيًا مع أعوانك طبعًا .. فحين فتشنا البيت لم نجد شيئًا من الجواهر أو المال ..
فابتسم لوبين وقال :
- ألا يكفيك يا عزيزى أنى أتيتك بالمروج الكبير .. حتى تأتى لتحاسبنى على كمية لا تذكر من الجواهر ..!
ثم غير لوبين دفعة واحدة مجرى الحديث بأن قال :
- وعلى فكرة .. هل عرفت بحكاية تلك المرأة المدعوة مدام شوان التى وجدت جثتها طافية فى النهر ...؟
فقال المفتش تيل مجيبًا :
- نعم .. وقد ثبت أنها انتحرت .. لقد هجرها زوجها منذ عام فكانت مضطرة إلى إرهاق نفسها بالعمل لكى تطعم أطفالها الستة .. وقرر جيرانها أنها كانت بادية الاهتياج فى الليلة الماضية .. وكانت تتحدث فى كلمات مقتضبة عن مقابلتها لزوجها .. وأنه طردها وأبى أن يعود إليها .. فإذا كان ذلك الكلام صحيحًا ففيه ما يفسر إقدامها على الانتحار .. وإذا لم يكن صحيحًا فهو دليل على أن عقلها قد اختبل ..
وابتسم لوبين وأخذ نفسًا طويلاً من سيجارته ثم قال :
- نعم .. إن كلامها صحيح .. ولكنه لا يفسر إقدامها على الانتحار .. بل هو على النقيض يثبت أنها لم تنتحر ..
ولو أن شخصًا آخر هو الذى ألقى بهذا الرأى لسمع من (تيل) ما لا يرضيه .. ولكن (تيل) تعود على أن يسمع من لوبين آراء تبدو شاذة عجيبة للوهلة الأولى . ثم لا تلبث الأيام أن تبرهن على صحتها ولهذا قال متسائلاً : وكيف عرفت ذلك ؟
- لأن مدام شوان زارتنى صباح الأمس .. وقصت علىَّ نفس هذه الحكاية فوعدتها بأن أمدّ إليها يد المعونة ..
- إذن فأنت تعتقد أنها لم تنتحر وإنما قُتلت ؟
فهزَّ لوبين كتفيه فى استخفاف وقال :
- لقد وعدتها بأن أهتم بالأمر وأحاول أن أجلو ما غمض من اللغز .. وطلبت إليها أن تحضر لزيارتى بعد يومين أو ثلاثة .. فإذا كان قد بلغ من ثقتها بى أن تحضر لمقابلتى لتفضى إلىَّ بمتاعبها فإن مما يثير الغرابة أن تعمد إلى الانتحار عقب خروجها من عندى دون أن تنتظر نتيجة بحثى ..
فظهر على وجه تيل ما يدل على اقتناعه بهذا الكلام وقال :
- هل جاء فى حديثها ما حملك على الاعتقاد بأنها مهددة بالموت ؟
- كلا على الإطلاق .. ولكنى أعتبر نفسى ملومًا ومسئولاً عما أصابها .. لقد قُتلت عقب خروجها من عندى وأكبر ظنى أن مصرعها إنما كان بسبب زيارتها لى .. وأنا نفسى كدت أصبح جثة هامدة فى الليلة الماضية ..
- حقًا ..؟
فضحك لوبين وقال : نعم .. ويمكنك أن تلمسنى حتى تتأكد من أنى لست شبحًا ..
- وهل تعتقد أن محاولة اغتيالك ترجع إلى ما قصته عليك مدام شوان ؟
- يجوز .. كل ما هنالك أنى وجدت قنبلة خلف باب مسكنى فلو لم أدخل من النافذة لانفجرت القنبلة ونسفتنى ..
كان المفتش تيل يذكر دائمًا أن للوبين فضلاً عظيمًا عليه .. إذ طالما أماط اللثام عن ألغاز غامضة وظل مختفيًا وراء الستار ... وتركه ينتحل المجد لنفسه ، فالآن ولوبين يشير إلى أن مدام شوان ماتت مقتولة لا منتحرة كما يعتقد البوليس .. فهذه فرصة سانحة يحسن به أن يغتنمها لكى يظفر بقضية جديدة يحلها له لوبين فيضيف بذلك مجدًا جديدًا إلى اسمه ..
ولكن كبرياءه كانت تحول دونه وسؤال لوبين فى صراحة عن سر مصرع مدام شوان فقال مراوغًا :
- إن البوليس يعتقد أن مدام شوان انتحرت .. فإذا كنت تعتقد أنها قتلت فهذا شأنك .. إذ ليس فى وسعنا أن نأخذ بهذه النظرية مادمنا لا نملك من المعلومات ما يدعونا إلى تعديل رأينا .. إلا إذا كنت تنوى أن تمدنا بهذه المعلومات ..
ففكر لوبين برهة .. وكانت طريقته فى إمداد تيل بالمعلومات أن طلب هو نفسه معلومات من تيل .. فقال متسائلاً :
- ما الذى يعرفه البوليس عن زوج مدام شوان ؟
- لا شىء أكثر من أنه من لصوص القمار .. يلاعب الأغنياء ويغشهم ويسرق أموالهم .. وفى كثير من الأحيان يندس فى القطارات المسافرة إلى ميادين السباق ، ويغرى الركاب بالمراهنة غير المشروعة .. وكان من الممكن أن يقدم إلى المحاكمة لولا أنه لا يختار ضحاياه إلا من السكارى .. فإذا ما أفاقوا نسوا أوصافه وعجزوا عن إرشاد البوليس إليه .. فهل فى هذا ما يتفق مع نظريتك ؟
فابتسم لوبين وقال :
- صدقنى يا تيل إذا قلت لك إنى لم أكون نظرية بعد .. ولكنى أعدك بأن أطلعك على رأيى إذا ما انتهيت إلى رأى معين ..
والواقع أن لوبين كان صادقًا فيما قال .. لقد أفضى إلى تيل بكل ما يعرف .. ولم يكتم عنه إلا شيئًا واحدًا هو عنوان البيت الذى شاهدت فيه مدام شوان زوجها .. ولم يفطن تيل إلى هذه الحقيقة .. إلا بعد أن رجع إلى إدارة الأمن العام .. وعجب كيف غفل عن أن يسأل لوبين عن هذا العنوان .. ولكن عزاءه الوحيد هو أنه كان موقنًا من أن لوبين لن يذكر له هذا العنوان .. مهما ألح عليه بالسؤال ..