قراءة كتاب نقد الفكر اليومي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نقد الفكر اليومي

نقد الفكر اليومي

كتاب " نقد الفكر اليومي " ، تأليف مهدي عامل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

ضد ظلامية العصرعافية العقل

في قهقهة التاريخ المتقدم عبر الامكانات المتضاربة، يحتضر عالم بكامله، ويتهيّأ للولادة آخر. تتفكك نُظُم من الفكر والاقتصاد والسياسة يصعب عليها الموت بغير عنف، تتصدّى لجديدٍ ينهض في حشرجة الحاضر وتقاوم في أشكال تتجدد بتجدد ضرورة انقراضها؛ تنعقد بين عناصرها المتنافرة تحالفات هي فيها مع الموت على موعد يتأجّل. إذن، فليدخل الفكر المناضل في صراع يستحثّ الخطى في طريق الضرورة الضاحكة. فهو اليانع أبداً، وهو اليقظ الدائم، في الحركة الثورية ينغرس ويتجذّر. يستبق التجربة بعين النظرية، ولا يتخاذل حين يُفاجأ: يتوثب على المعرفة ويعيد النظر في ترتيب عناصره ليؤمّن للنظرية قدرتها على التشامل، ورحابة أفق يتّسع لكل جديد. هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعاً نضالياً، ويتوق كل نشاط ثوري إلى أن يتعقلن في النظرية، فتتأكد، بالتحام النشاطين في الملموس التاريخي، ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثورياً، وضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية.
ضدّيّاً يتكوّن هذا الفكر المناضل، ويتكامل أيضاً ضدياً. في وجه الكهل من الفكر يؤكد صحته، ويؤكد، ضد ظلاميّته العصرية عافية العقل، ويفرح في فوضى التكوين. هو العصر، وهذي حداثته: أن تعمّ فيه انهيارات الكهانة والقداسة والسيادة، حتى لا يبقى لقديم فيه أملٌ في أن يتجدّد أو يتأبّد؛ تنغلق عليه منافذ زمنه. لا فضاء لغارب سوى القبر، فإن أصرّ، فوهمٌ من فضاء هو للفكر اليائس خريطة عدم تتساوى فيها الأضداد جميعاً في رماد أو سديم. لا حياة لفاقد الحياة، فإن ألحَّ، استحالت عنده الحياة توقاً إلى ما مات، أو ما يشبه الذات في لغة تُؤسطر الماضي وترفعه إلى المطلق، وتطمح، في شهوتها الفارغة كتجويف صدى، إلى أن يقتصر عليها الوجود في خريطة العدم، فلا يبقى في التاريخ من التاريخ المتوقف عند الآن الذاهب في الموت سوى لغة منها تبدأ كل الأشياء (2)، وفيها تسقط كل الأشياء، فتنتهي إلى «تمارين في الانشاء» (3) يمارسها، في أصفى حالات استمنائه، فكرٌعاجز عن إدراك العقل التاريخي، يستبدل دياليكتيكية عصر الثورات بصفر كلّي يغمر سطح الأشياء، فتحتجب الأعماق، وتحتجب الحركة. يبقى للفكر لغته الحمقاء، وصفرٌ يحسبه، من موقع ذاك الزمن الذاهب في الموت، «اكتشافاً بسيطاً ناصعاً بأن الأشياء لم تعد ممكنة» (4)، فيضطربويتعثّر، و «يسقط في الصفر حتى القاع» (5).
أي الأشياء هي الممكنة؟ وأي الأشياء لم تعد كذلك؟.
في الصفر الكلي يتوقف الزمن عن دورانه: لا الماضي يمضي، ولا الآتي يأتي. والزمن لا يراوح مكانه. يتصدّع وينهار، ولا يتضح غير المستحيل، من جهتين معاً: ما كان يتكرر لم يعد يتكرر، والأفق بلون غامض (6)، إنه زمن مكسور من جهة الماضي، مبتورٌ من جهة المستقبل،والحاضرفيه يتفتّت. فليتهافتْ كل العقل: صرخة يطلقها فكر ظلامي يلبس وجه الفكر العدميّ، ويرفع، ضد العقل، راية ما يسميه «المُعاش» (7)، ويهزأ بالمعرفة العلمية التي لا يرى فيها إلَّا توضيباً أو تعليباً (8) يسحق الحياة ويُفقدها نكهتها. وما هذا «المعاش» الذي راح يستحضره محبّرو الصفحات الثقافية في الآونة الأخيرة، بعد غيبة طالت في أرشيف اللغة الفلسفية الوجودية، سوى حاضر يحنّ إلى ماضٍ يستذكره فكر يخجل من إعلان حنينه. إنه الممكن الأوحد، هذا الذي، في الصفر، بات المستحيل.
صحيح، إذن، «أن الأشياء لم تعد ممكنة». لكنها الأشياء من جهة الماضي، أي من جهة الزمن المكسور المبتور المتوقف في الحاضر، في تعطّل حركة التكرار فيه. قِفْ في الصفر، وحدّق في الصفر بعين الصفر، تر الغامض في الآتي، والواضح في الذاهب في الموت. فالمرئي بهذي العين، ومن موقع ذاك الفكر، هو الماضي في وضوح هو «الوضوح الفاشي» (9).
عاجزٌ هذا الفكر، وعاجزةٌ عينه عن رؤية ما لا يُرى، في الوضوح النقيض، إلَّا بعين النقيض، ومن موقع الزمن المتقدم في الحاضر ضد الحاضر، في خلخلة كونية لا يفقه منطقها إلا فكرٌ كلي هو فكر علمي يلتحم بالحركة الثورية التحاماً عضوياً يستحيل فيه قاعدة لهذه الحركة التي هي حقل اختباره. سِرْ في الزمن الثوري وحدِّق فيه بعين الفكر العلمي، ترَ الواضح في الآتي، يستقدمه الحاضر بمنطق تناقضاته. فهو العصر، وهذي حكمته: أن ينتقل التاريخ من زمن يمضي إلى زمن يأتي، في تداخل الاثنين وتصادمهما. هكذا يتولّد الجديد دوماً: إنه الممكن ضد القائم، لا يتحقق إلا بانهياره.
من موقع أيّ الضدين يُفهم التاريخ؟ من موقع أيّ الضدين يُصنع؟ من أي موقع تمكن الكتابة؟

الصفحات