كتاب " وقائع الصم البكم في قلب نظام الحكم ، تأليف هشام صلاح الدين ـ والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب وقائع الصم البكم في قلب نظام الحكم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وقائع الصم البكم في قلب نظام الحكم
حوار مع الرئيس...
اهتزت المرأة كثيراً.. خرجت كل أصواتها المكتومة، التي أعرف ولا أعرف، أمسكت بأصابعي تحدثني، شعرت أن «ريختر» أعصابها بلغ آخر مداه، قالت الخرساء المنفعلة:
ـ خرج الصم والبكم في اعتصام.. فهل يتفرج العميان عليهم؟
سألتها الهدوء.. ازدادت عصبية، قلت:
ـ وما السبب؟
بسرعة شديدة جاءني الجواب:
ـ الشرطة سحلت أصم أبكم في الميدان الكبير، عندما تجاوز الميدان الذي سيمر منه الرئيس إلى مجلس الوزراء للاجتماع بالحكومة.
ـ كيف؟
ـ بينما كان يعبر الطريق، زعق الضابط به، لم يسمعه، سبّه، مضى نحو الجهة الأخرى من الميدان، جهاز الضابط كان قد أرسل إشارة، استقبلها ضابط آخر عند الجانب الذي سيصل إليه الأبكم.. ولما وصل، انهالت عليه الهراوات واللكمات، وشتى صنوف الضرب، سواء بالأرجل، أم بالأيدي، ولما اكتشفوا أنه معوّق.. تركوه ينزف دمه وعادوا إلى مواقع «التشريفة!».
ـ افتراء وجبروت.
فار دم المرأة لجوابي، فهذا لا يبلّ ريقها، وحركت أصابعي وسبتني أنا وجميع العميان.. محتقرة كل الفصيل الذي أنتمي إليه.. قالت:
ـ لا تملكون نخوة، ماء يجري في عروقكم وليس دماً.
ـ أي.. يا مرة قليلة حياء.
***
غادرت زوجي الصمّاء البكماء للمشاركة في الاعتصام، بعدما أبلغتني أن الصم سيطالبون بحقهم، ولن يعيقهم شيء!
فكرت فيما لو حدث لها مكروه.. قلت لنفسي: هل سيتركهم الأمن ليعكروا مزاج السيد الرئيس وأصحاب المعالي الوزراء، خاصة وزير الداخلية؟
جال خاطري حيال موتها.. أو إحداث عاهة مستديمة لها، ألا يكفي أنها بكماء.. صمّاء؟ ماذا سأفعل مع العيال... وا... وا...
***
مرت ساعة، رن جرس التليفون، لما رفعت السمّاعة كان البحيري يمازحني:
ـ كانت ليلة من إياهم؟
قلت مهموماً:
ـ اسألني عن النهار.
ـ مالك؟
رويت للبحيري الحكاية، أدهشني بقوله:
ـ معها الحق.
ـ كيف؟
ـ سأعاود الاتصال بك.
***
شغلني الجانب الإنساني تارة، غرزت في رمال النبل وحقوق الإنسان المعوق، وغيره، في بلاد ترى في عسكري الأمن.. السلطة وتخشاه.. فكيف بموكب الرئيس و«التشريفة» الخاصة به؟
أيقنت أن الصم البكم، سيواجهون هولاً ما بعده.. رن جرس التليفون
ـ بحيري
ـ سنخرج لنشاركهم.. افتح الراديو يا أخي.. تابع الأخبار.
ـ أخبار؟
***
اعتصم نحو 50 ألفاً من إخواننا الصم البكم في ميدان... رافعين لافتات سلمية، تطالب باستقالة وزير الداخلية.. هذا وقد حاصرت قوات الأمن كل المداخل والمخارج المؤدية إلى الميدان.. ونناشد السادة المواطنين الالتزام بتعليمات الأمن.. حفاظاً على استقرار البلاد.. ووحدة الصف.
أدرت قرص التليفون.. جاءني صوت البحيري:
ـ لن نتجه إلى الميدان نفسه.. سوف نخرج إلى ميدان.. الساعة 12 ظهراً نجتمع هناك.. كلنا وسنطالب بحوار مع الرئيس!
***
ميدان للصم البكم وآخر للعميان.. حوار مع الرئيس.. الله أكبر، ناديت عجمي البواب، أوصلني إلى الباص.. صعدت متجهاً إلى الميدان.. وكان معي الكثير من العميان، ينصتون إلى راديو كان بحوزة أحدهم.
حاول الأمن تفرقة اعتصام الصم البكم، اندلعت المواجهات الدامية، ضرب هنا وصد هناك.. اشتد الأمر سوءاً، إذ وصل أكثر من مائتي ألف أصم أبكم إلى مداخل الميدان واشتبكوا مع أفراد الأمن.. نجحوا في فتح ثغرات عديدة.. سقط قتلى وجرحى من الطرفين، ولم تفلح القنابل المسيّلة للدموع في فض الحالة.. إذ تحصن الصم البكم بأصابع «الفيكس» هذه التي منعت الاختناق، ومحلول طبي للعين يقاوم تسييل الدموع.. هذا ما تقوله: لندن!
***