كتاب " يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية
المقدمة
الكتابة والحياة عن «سردية» فيصل فرحات
حسناً فعل الكاتب المسرحي الصديق فيصل فرحات عندما أطلق على عمله القصصي تسمية «سردية من سيرة ذاتية»، ولم يحشره في جنس أدبي من الأجناس القصصية العديدة والمتنوعة، والتي لا حصر لها، وعدم حصريتها نابع من أن القدرات البشرية والإبداع الانساني والأشكال الفنية التي يبدعها الفكر الجمالي الانساني أكبر من أن تحشر في معطيات أكاديمية باردة، تخضع للصراع الايديولوجي، وللتصنيفات النظرية النابعة من الأجواء الفكرية العامة السائدة، التي تفرض معاييرها وتعمِّم رؤيتها الخاصة للعلم والأدب ولتصنيفات الفكر بشكل عام. صحيح أنَّ هناك بعض السمات العامة التي تتشارك فيها بعض النتاجات القصصية، أو المسرحية أو الغنائية، إلَّا أنَّ ما يفرِّق هذه الابداعات هو أكثر بكثير مما يجمعها. فالإبداع الأدبي والفني هو إبداع ذاتي بامتياز، يكتسب سمات صاحبه الشخصية أكثر مما يكتسب السمات العامة التي تخص الجنس الأدبي المعين. «أليس الأسلوب هو الرجل».
إن سردية فيصل فرحات لا تشبه أحداً سواه، ففوضاها فوضاه وسردها سرده الشخصي الحياتي، صحيح أنَّها تشبهه، لكنها ليست سيرة ذاتية وهي ليست كل ما مرَّ على طفولة هذا الكاتب من أحداث وآلام وتجارب حياتية. وهذا الاختيار للأحداث في حقيقة الأمر، ليس فعلاً إرادياً، إنما هي الذاكرة تفرض قوانينها، فهي التي تختار الأبرز والأوضح تعبيراً والأكثر ملائمة لوعي الكاتب في زمن السرد وزمن الكتابة، وليس في زمن الأحداث. وإن كان شعورنا، أن ما يكتبه كاتب السيرة الذاتية هو ما هو في ذلك الزمن زمن حصول الأحداث. فالوعي الراهن في حركتيه الواعية واللاواعية يختار ما يناسب زمنه الراهن. وهكذا فالقرَّاء يستقبلون العمل الأدبي بالوعي الراهن مع محاولة استرجاعية لتلك المرحلة السابقة، والسمة الأساسية لهذا التلقي الجمالي هي شغف القراءة والمتعة الجمالية والمتابعة الشيِّقة، التي لا تفارقنا عند القراءة.
تسجل هذه «السردية» فنياً مرحلة من أشد مراحل تاريخ لبنان الاجتماعي والسياسي توتراً، إنها مرحلة الستينيات التي أسست لحرب السبعينيات من القرن الماضي وما زالت تجر آثارها حتى يومنا هذا، إنها مرحلة تمدين لبنان، بما هو ازدهار للمدينة وإفقار للريف. يصوِّر الكاتب هذه الحقبة الاجتماعية من تاريخ لبنان عبر تأكيده على حقيقة أساسية أخرى، هي وظيفة الكتابة والإبداع الفني. فالكاتب عندما كان طفلاً أخذ حقه بالكتابة عبر الاحتيال على الحياة وعلى الوالد. وأكّد أن الكتابة هي تسجيل لهموم الكاتب وهواجسه وإن كانت ذاتية إلَّا أنها عامة وتخص البشر وعالج فرحات قيمة الكتابة عبر علاقته الشخصية بوالده على مستويات عدة. المستوى الأول هو سعي الوالد المحموم لجمع المال، فهو يعمل في عدة أعمال متواضعة بهدف جمع الثروة. فالوالد يعمل صباحاً جامع نفايات في مصلحة التنظيف في البلدية، وبعدها ماسح أحذية، وبين الفينة والأخرى بائعاً يشتري السكر والأرز رخيصاً من سوريا، ويجعلها في أكياس صغيرة ويبيعها بالمفرق للأهل والجيران، والوالد الذي يمتاز ببخل لافت في منزله وعلاقاته بعائلته يصر على ذهاب أولاده الى المدرسة، لأنها برأيه الوسيلة الفضلى لجمع المال في ذلك الزمن وليست وسيلة للترقي الفكري والعقلي والاجتماعي.
والوالد أيضاً هو ذاته يجبر إبنه على بيع العلكة في أيام العطل، ولم يسمح له بأن يعمل ولد منجد بالمستقبل الواعد والأموال القليلة فيختار لابنه بيع العلكة بالمال الكثير والمستقبل الضائع.
يبدو أن علاقة الوالد بابنه وكأنها عقدة أوديب مقلوبة. فأوديب هو الذي يصارع والده لاحتكار المرأة-الأم، بينما هنا نجد أن الوالد هو الذي يكره ابنه بسبب المرأة-الأم. فهذه المرأة ترفض زوجها وترفض العلاقة الجنسية معه إلَّا فيما ندر ونتج عنها تلك العائلة التي ليست كبيرة، وعندما يقترب زوجها منها ليلاً لأخذ حقه الشرعي المشروع نراها تأخذ أحد أبنائها وتضعه في حضنها، ليحول بينها وبين زوجها. وبهذه الطريقة كانت تمنعه منها. فهذا الرجل لم يجد لحظة هانئة واحدة في حياته. فحتى «أرخص ليالي» يوسف إدريس لم تكن متوفرة لديه. وعوضاً عن أن تتجاوب زوجته معه، نراها في الليل تطالبه على مسمع من أطفاله بأن يجلب الأغراض والمأكولات لها ولأطفالها. وهكذا كانت تنتهي غالبية تلك الليالي بالسباب والشتائم لها ولأطفالها ولعائلتها جميعاً. هنا يطرح سؤالٌ في السوسيولوجيا؛ هل الفقر هو حالة الانسان السوي الذي ينقصه المال، أم أن الفقر هو أساس كل المشكلات الأخلاقية والعاهات النفسية والشرور الاجتماعية حتى نقول إن الفقر هو أم الرذائل.