قراءة كتاب يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية

يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية

كتاب " يوم بدأت الكتابة - سردية من سيرة ذاتية " ، تأليف فيصل فرحات ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

إستيقظت شبه مذعور على أصوات «قرقعة» وقوع «الصحاحير» وصراخ أصحاب الدكاكين والبسطات، فسحبت جسدي الصغير من بين «الصحارتين» ونهضت فمشيت. وإذ برجل يسألني ماذا كنت أفعل هنا، فلم أرد عليه، وتابعت سيري عل بقايا الخضار التالفة في وسط الطريق قاصداً الطرف المقابل، مفتشاً علن «كرتونة» فارغة من أمام المحلات التي بدأ البعض منها يفتح أبوابه وبخاصة بائعو القهوة والشاي في مبنى سينما الري؟ولي وأمامه. فأخذت كعادتي «كرتونة» ومشيت نحو تمثال الشهداء، فتحتها وفرشتها على الأرض، وأكملت نومي من بزوغ الفجر حتى الصباح الباكر، حيث بدأت أصوات زمامير «البوسطات» والسيارات والمارة، مضافاً إليها شعاع الشمس. فتحت عينيَّ وجلست قليلاً، ثم نهضت حاملاً «الكرتونة» ، ومشيت وسط ضجيج متنوع الأصوات من الناس والعربات والسيارات. أخفيت «الكرتونة» ما بين أشجار صغيرة كانت مزروعة حول ساعة الزهور في ساحة الشهداء، وتوجهت الى البيت في الأشرفية، حيث وصلت مع بدء التحضير للذهاب الى المدرسة بعد خروج والدي الى الشغل. وكالعادة سألتني أمي أين نمت؟ وفيما كنت أحاول إجابتها، قاطعتني وطلبت مني أن أسرع في ارتداء مريول المدرسة، فيما كان أخوتي يتصارخون، ولأنني لم أتروق وضعت عروسة الزعتر في شنطة الكتب وخرجنا من البيت الى المدرسة. أخي علي وأنا الى مدرسة الناصرة الرسمية للصبيان، وأختاي مريم (صالحة بالتذكرة) وزينب الى مدرسة سلمى الصائغ الرسمية للبنات.
في ذلك الصباح شعرت بمعنى الصمت وعدم الكلام سارحاً مفكراً بما حصل معي في الليل، وتولدت لديّ رغبة حميمة بعدم التحدث الى أيِّ كان عمّا رأيت ليلة البارحة، لا الى رفاقي في الصف والمدرسة أو في الحي، وبالطبع الى أيِّ كان من الأقارب والجيران، وذلك لأني اعتبرت أن هذا اليوم هو يوم جديد في حياتي الثانية.
في طريقنا الى المدرسة، لا أذكر أني تكلمت مع أخي، وكلمة صباح الخير لم أقلها أو أردّدها لبعض المعارف والجيران كعادتي، لكني صبَّحت العم أبو محمد حلاوي بائع النمورة وغزل البنات، وتابعنا الخطى على عجل الى أن وصلنا الى المدرسة، ودخلنا الى الملعب؛ أخي علي ذهب الى رفاقه، وأنا تقدمت نحو رفاقي ببطء ملحوظ، كونهم كانوا يتحادثون ويضحكون.
لقد تملّكني شعور غريب وجديد تماماً، بدا كأنه آتٍ من حُلم في المنام، وأنا سائرٌ نحوهم. بدت الأمتار القليلة التي تفصلني عنهم وكأنها مسافة طويلة. وما إن وصلت إليهم حتى سألني ميلاد: أين كنت مساء البارحة؟ وهل كنت مطروداً من البيت؟ فأجبته بنعم؛ فساد صمت قليل، أحزن جورج وحسين ونبيل، وأغضب ميلاد وزكريا، فيما تبسم عبد وضحك محمود قليلاً، أما عماد فلزم الصمت.
في الصف دخل الجميع في الدرس، إلا أنا. فتحت الصفحة على الدرس، لكني رأيت في خيالي صرخة عينيها، فسرحت في استعادة ما حصل، ثم نظرت الى المعلمة وهي تشرح الدرس، ورويداً رويداً بدأت أُنزل نظري نحو وسط جسدها، ومن ثم نظرت الى ذلك المكان الذي تغطيه ملابسها، وهو ما بين فخذيها، وسرحت مفكراً، هل سيأتي يوم يضع المدير أو الناظر أو الاستاذ يده ما بين فخذي المعلمة؟ ثم تابعت التلصص والنظر إلى ذلك المكان المغطى بالفستان، ونظرت أيضاً في الكتاب. في فرصة الساعة العاشرة، أكلت عروسة الزعتر وأنا أحدق بالمعلّمات والأساتذة الذين كانوا واقفين على درج الإدارة يتحادثون ويضحكون قليلاً، وأنا قاعدٌ على حافة الدرجة الأولى، أمضغ ما في فمي، ومحاولاً ملاحظة حركات أيادي الأساتذة الرجال، مثل فرك الأصابع، أو ضرب المسطرة على جانبي أرجلهم، منتظراً أن يفعل أستاذ ما مع احدى المعلمات ما كان يفعله ذاك الرجل مع تلك المرأة. لكن ذلك لم يحصل مما زاد في حيرتي؛ لكنني عدت وفكرت بأن وضع اليد ما بين الفخذين لا يحصل الا في الليل وليس في النهار.
ما أتذكره جيداً، لأنه أبكاني ببطء ملحوظ، هو استيقاظي من النوم في الليل على صوت أمي، ومن بعده صوت أبي الذي كان أقرب الى «الوشوشة» ، فيما هي كانت ترفع من صوتها وتهدد بالصراخ، وأخوتي الصغار (جمال ونوال وعامر) يبكون بعد أن حاولت أمي وضع أحدهم في حضنها، لتمنع أبي من الاقتراب منها والنوم على تختها. كنت قد نمت فور أن أطفأ أبي ضوء الكهرباء، لأني لم أنم ليلة البارحة لأكثر من ساعتين أو ثلاث، ومشيت كثيراً لدرجة التعب، لكني غفوت ونمت على ومضة من صرخة عيني تلك المرأة، ثم فتحت عينيَّ على صوت أمي، وهي تقول لأبي بأن يرجع الى فرشته في الدار، حيث أنام أنا على الصوفة، وأسمع كلَّ ما يجري، وأخي علي ينام على الصوفة الثانية وهو غافٍ.
رجع أبي الى فرشته وهو يسب ويشتم أمي وأولادها، فيما هي كانت تردد مطالبها منه، كي يشتري بعض الأغراض والطعام.

الصفحات