كتاب " أسطورة ساش " ، تأليف صالح بن إبراهيم السكاكر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب أسطورة ساش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أسطورة ساش
(2)
كنا ثلاثة أصدقاء وعندما أقول أصدقاء فإني أقصد تلك الصداقة التي تتلاشى أمامها كل الحواجز وتقف الدنيا بأسرها إجلالاً واحتراماً لها. نعم إني أقصد تلك الصداقة التي تغيب في محيطها كل المصالح، فقد كنا كالجسد الواحد إذا اشتكى أحد منا قمنا واتحدنا ثلاثتنا لنجدته ومساعدته، كانت أسرارنا في بئر عميقة لا يصل إليها أحد ولا يفكر بشر في أن يقترب منها.فقد كانت أسرارنا متشابكة ومتداخلة ومرتبطة بعضها ببعض بسبب واقعنا المشترك! كانت صداقتنا كالواحة وسط الصحراء تجعل المشاهد يقف رافعاً يده تقديراً وتبجيلاً لنا، نعم تلك هي صداقتنا نماذج خلابة ومشرقة، كنا نجتمع على الخير والصلاح ونحاول أن نزيد ونطور من قدراتنا الفكرية والذهنية ونبتعد عن سفاسف الأمور وصغائرها، كانت عقولنا أكبر بكثير من أعمارنا، كنا نتحدث بأشياء تكبرنا فقد كان لكل واحد منا فلسفته الخاصة به، وكانت لنا مبادئنا التي نؤمن بها إيماناً خالصاً..نعم كنا ثلاثة أصدقاء كالنجوم تتلألأ في السماء.
.. كنا نحلم حلماً جميلاً بأن نقوي ونعمق من صداقتنا بأن نرتبط بثلاث أخوات حتى تزداد الصداقة وتقوى الألفة وقد اتفقنا ذات يوم ونحن في غرفة شاهين بأن يسمي كل واحد منا على اسم صديقه! نعم يا من تقرأ أسطورة ساش كانت أحلامنا بيضاء عملاقة. كنا نحلم ونحلم ولا نتوقف عن الأحلام، فما من إنسان يحيا ويعيش بدون حلم، بدون هدف يسعى إليه ويبذل في سبيله الغالي والنفيس، فالأحلام هي روح الحياة فهي التي تشعرنا بوجودنا، بل إننا بلا أحلام نكون لا شيء أبداً، حتى الحيوانات تعيش مع الأحلام! فهي تحلم ولكن على قدر وجودها ومحيطها! والقاعدة الفلسفية تقول: بما أني أحلم بكذا وكذا إذن أنا موجود! فالأحلام هي المكون لحياتنا وأدق تفاصيلها، ولكن يجب أن تتحرك الأحلام وتنبثق على أرض الواقع بأفعال تصنع من الواقع مستقبلاً نحيا لأجله. كانت أحلامنا نحن الثلاثة عملاقة وعظيمة تقتحم الوجود بأكمله..فقد كنت أدرس الإدارة وأحلم بأن أصبح أستاذاً مشاركاً في الإدارة أحصل على الماجستير والدكتوراه من كلية هالي فاكس (3) في كندا ولأني أبحث عن التميز ولشدة إيماني بأن التميز ليس هو النجاح فقط وإنما هو الغرابة والنجاح معاً!لذلك كنت لا أنفك أقرأ في علم الإدارة وكل ما له صلة من قريب أو بعيد بهذا العلم الذي أعشقه! نعم أعشقه عشقاً جنونياً ارتبط بي منذ شعرت بوجودي، حاولت في جميع قراءاتي أن أصل إلى إجابة شافية عن ذلك التساؤل الإداري الذي يملأ عقلي.
كيف ينجح ويبدع المدير الإداري بدون أن يصدر الأوامر؟
.. كنت أحاول أن أصل إلى الإجابة عن ذلك التساؤل بل إني في فترة من الفترات أصبحت باحثاً فقط عن إجابة لذلك السؤال المحير: كيف يستطيع الإنسان في حياته الاجتماعية بشكل عام أن ينجح بدون أن يصدر الأوامر؟ قرأت في كتب " لاتسو تارتية كينج " وعرفت أن النجاح والتميز في المنظومة الإدارية بدون إصدار الأوامر يسمى: (ذكاء عدم الهجوم أو سيادة الرجال) وقد حصلت على نتيجة مبسطة استخلصتها بعد عدة قراءات في المجال الإداري وهي: أن تلك الفئة من الإداريين يخلقون كذلك من غير قصد أو ذكاء فيهم، ومن خلال نظراتهم يفهم ما يريدون لذلك تنفذ مطالبهم من دون إصدار الأوامر.
***
.. وكان حلمي الكبير بأن أصبح كاتباً ناجحاً أكتب القصة والرواية، أكتب ما أشعر به، أكتب حزني، بل أكتب واقعي! أكتب ما أؤمن به، أكتب لأخمد ذلك الصراع الرهيب المتأجج الثائر في داخلي، إنه صراع من أجل إثبات الوجود وأن أجعل لوجودي وجوداً آخر، نعم وجوداً في هذا الزمان المليء بالعثرات والمتاعب، كنت ومازلت أعتقد أن الموهبة كالكائن البشري يعتريها الكثير من المصاعب والعلل التي تنتاب المخلوقات لذلك حرصت أن أجعل من صديقيَّ موجِّهين لي ومساعدين لي وكذلك أن أجعل من الحلم واقعاً ملموساً واقعاً جميلاً لذلك كنت أكتب القصص وأحضرها لهما ليقرآها ويقوماها وينقداها. كنت بهذه الطريقة أطور قدراتي الكتابية وأخلق فلسفة كتابية خاصة بي أنا، محاولاً أن أكتب الغريب وأن أمارس الجديد وأتخطى القيود والحواجز لكي أرضي شغفي وولهي وحبي للكتابة الجنونية! وعندما أذكر مصطلح "الكتابة الجنونية" فأنا أقصد تلك الكتابة السلسة التي تجعل القارئ يتشوق شوقاً جنونياً لإكمال القراءة، أحاول أن أستحدث وأبتكر بل أخترع لي مساراً خاصاً طريقة جديدة، أحاول أن أجعل قصصي أنا، فأنا مزيج مركب من روايات وأحداث وواقع حزين وغربة مؤلمة! لأجل ذلك فأنا أكتب كما يقودني قلمي، كما يقودني حبيبي! نعم إن القلم عشيقي! أحاول أن أكتب ولا أبحث عن الكلمات بل هي من تبحث عني! كنت ومازلت وسأظل أستشف من العملاق فيدور دستويفسكي فلسفته الخاصة في كتبه والحرب المستمرة التي دائماً ما يخلقها في أشخاص رواياته بين الخير والشر، بين الحق والباطل، ذلك الصراع المستوطن في بني الإنسان..نعم إخوتي إني أحاول أن أستوحي منه تلك الطريقة الرائعة، تلك الفلسفة العجيبة، ذلك السحر الذي يشد القارئ ليكمل الرواية، محاولاً توظيفها في قصصي وفلسفتي بما يتناسب مع معتقداتي وهنا محطة للوقوف والتأمل فليس كل ما يُكتب لديهم يكون صالحاً ومقبولاً من الناحية الخُلقية والاجتماعية لنا. يجب أن نفصل بين المؤلف الذي يحاول النجاح على أكتاف مجتمع وعادات وتقاليد أمته وبين من يحاول ويسعى للنجاح لإصلاح الخلل في نفسه وبعد ذلك يحاول بكل نية سليمة إصلاح الخلل في مجتمعه، إني أعلنها الآن وبعد قراءات متعددة الثقافات أن الكُتاب الآخرين يحترمون أنفسهم باحترامهم لمجتمعاتهم أكثر ألف مرة من كتابنا!! نعم وللأسف فالروائيون عندنا يأخذون نماذج قذرة ويعممونها على مجتمع يضم قمماً شامخة ويجعلون من المرأة وسيلة للوصول إلى غاية قذرة وحقيرة!نعم وللأسف كتابنا يبحثون عن الخلل ليس من أجل إصلاحه ولكن من أجل نشره، فبنشره تزداد مبيعات كتبهم القذرة! آهٍ لأمة تنشر غسيل نفسها! إن الكاتب الناجح هو الذي يحترم نفسه باحترامه وتقديره لأهله ومجتمعه فهو الذي لا يجعل من أخطاء مجتمعه مادة لكي ينتشر بسببها في الآفاق. إن الكاتب الناجح هو الذي يحترم دينه ووطنه وزوجته وأطفاله أيضاً في المستقبل عندما يصبح كهلاً. ألا يخجل هؤلاء من نظرة طفل أو نظرة زوجة؟ ألا يخجل هؤلاء قبل كل شيء من جلسة مصارحة مع الذات ومراجعة للماضي؟ ألا يخجل هؤلاء! يجب أن يفكر كل كاتب ألف مرة قبل أن يكتب سطراً واحداً؛ إن تلك الكلمات البسيطة إما أن تكون قارب نجاة له وإما حبل مشنقة حول رقبته! وهذا الحبل ليس من قبل رقابة دولة أو من قبل الناس وذلك أحياناً لا يهم وإنما من نظرات طفل ينسب إليه. ألا يخجل هؤلاء من جعل مبادئنا وعاداتنا وقيمنا مادة للاستهزاء والسخرية! يجب أن يحترم كل من يكتب سطراً أو مجلداً زوجته وأطفاله ومجتمعه باحترامه لنفسه ودينه وتقاليد مجتمعه، يجب على كل مؤلف أن يسأل نفسه قبل أن يبدأ بالكتابة:
لماذا أكتب؟
ولمن أكتب؟
إذا عرف كل مؤلف الإجابة عن هذين السؤالين استطاع أن يكون متميزاً وناجحاً ومحافظاً على احترامه لنفسه، وللأسف أصبح النجاح في الكتابة أن يذم الكاتب ما نؤمن به ليقال إنه ناجح ومتميز!
***
.. نعم إخوتي إني آخذ من كل بحر قطرة، قطرة تتناسب مع ما أؤمن به وما يجعلني أكثر احتراماً لإنسانيتي، لا يهمني من أين أخذ الحكمة ومن كاتبها ولكن الأهم لديّ أن آخذ ما أؤمن به وما لا يتعارض مع معتقداتي، لذلك تجدني آخذ من العملاق مكسيم غوركي كيف يحاول إصلاح مجتمعه وذلك الحب الجنوني لوطنه ومعتقداته، أحاول أن أفهم الأم! نعم أحاول أن أفهم الأم، لأني لم أفهمها، أحاول أن أعرف الأم كما كتبها مكسيم غوركي. أحاول أن أفهم تلك الجامعة التي لم أدخلها ولم أُقبل بها! وأنتقل إلى بحر آخر إلى جبران خليل جبران لآخذ منه تلك الطريقة السلسة في الكتابة وقدرته العجيبة على شد القارئ لما يقرأ وكذلك لقدرته الخارقة على سبر الأعماق الإنسانية والتغلغل في ملكات الوجدان والتحدث عن النفس وما يختلج فيها من المتناقضات، محاولاً بذلك أن أختطف منه حكمته ووصفه الدقيق لكل شيء، وقد حرصت قبل كل شيء أن أشبع شغفي المعرفي بقراءة السيرة المحمدية وسير الأنبياء وكتب الفقه والمذاهب الأربعة، وكذلك حرصت على أن أقرأ التاريخ، فالتاريخ واقتحامه هو مفتاح الإبداع، وكنت دائماً أضع أمام عيني مقولة: (إن تاريخ العالم قد صنعه الصفوة أي الأقلية) (4). وأنا وصديقاي أقلية. هذه المقولة تضعني وصديقيّ ممن يمتلكون العزيمة والإصرار على تحقيق طموحهم أمام واقع مهم جداً وطريق لا مناص منه وهو التاريخ ومن ثم التاريخ واقتحام التاريخ، إذا كان التاريخ قد صنعته الأقلية فإن قراءة التاريخ ودراسته إذا امتزجت بالحلم والإصرار تصنع إنساناً مفكراً ذكياً يعشق التحدي لأنه قرأ وفهم أن بداية النجاح شعرة بسيطة تمتزج بالعزيمة والإصرار على تحدي وتخطي كل الحواجز والعوائق للوصول إلى إرضاء الذات وإشباع شغف الروح والنفس...
اعذروني إخوتي فقد نسيت أن أقول لكم إننا ثلاثة أصدقاء سامي وأحمد وشاهين.. ثلاثة أصدقاء كالنجوم تتلألأ في السماء.