كتاب " الأبواب المائة للشرق الأوسط " ، تأليف آلان غريش / دومينيك فيدال ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الأبواب المائة للشرق الاوسط
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الأبواب المائة للشرق الاوسط
لقد أنجز شارون بنجاح، قبل غيابه عن المسرح السياسي الاسرائيلي، المرحلة الأخيرة من معركة عمره ضد الفلسطينيين. فمنذ تشرين الأول/أوكتوبر 2004، اعترف دوف ويسغلاس، المستشار المقرب من رئيس الحكومة بأن الانسحاب الأحادي من غزة يهدف الى «تجميل عملية السلام» غير أن طموح الجنرال العجوز تعدى ذلك. كان يريد دفع المجتمع الدولي الى التخلي عما طالب به دائماً: إقامة دولة فلسطينية مستقلة، على الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والى قبول هذا المجتمع بـ «الحل» الاسرائيلي «دويلة» فلسطينية منزوعة كل أشكال السيادة، في قطاع غزة ونصف الضفة الغربية يحدها الجدار وما يبقى يضم الى اسرائيل.
وللأسف فأن الفخ عمل بنجاح، واستفاد آرييل شارون من جبن النخب الدولية المهتمة بمصالح «سياسوية» أكثر من اهتمامها بالدفاع عن حق ومصالح الشعبين ـ الفلسطيني والاسرائيلي.
موجز القول أن اتفاق أوسلو قد انتهى بالفشل، ولم يعد «الشرق الأدنى الجديد» الذي شاع الكلام عنه في التسعينات. سوى مجرد ذكرى. ولم يسبق أن غرقت المنطقة في مأزق كالمأزق الراهن. وقد رسم التقرير حول برنامج الأمم المتحدة للتنمية لعام 2002 لوحة سوداء عن الوضع في العالم العربي: تطور اقتصادي ضعيف، تخلف هام في قطاع التربية، وفي قطاعي الثقافة والبحث العلمي، واستمرار عدم المساواة بين الرجال والنساء، وغياب الديموقراطية، الخ. ويحل الشرق الأدنى، رغم موارده النفطية، خلف مناطق أخرى من العالم لا تتمتع بمثل هذه الموارد الطبيعية. وفي حين عرف العالم، منذ عام 1989 وسقوط جدار برلين، تقدماً لا جدال فيه، باتجاه الديموقراطية، والتعدد الحزبي، ومزيد في حرية القول والتعبير، فأن الشرق الأدنى يبدو متحجّراً في أوضاع مضى عليها عشرات السنين. فلم يتم تغيير أي نظام: والقادة ملوكاً أم جمهوريين، يملكون سعيداً حتى الموت، وحياتهم السياسية استثنائية بطولها: ظل الملك حسين على العرش أكثر من خمس وأربعين سنة، وحافظ الأسد ثلاثين، وقد حل مكان الاثنين ابناهما. وبالكاد يتم التغاضي عن الأحزاب المعارضة، ويخضع المواطنون لعسف الدولة، وأجهزة المخابرات والحزب المسيطر.
ما هو سبب هذا التخلف؟ عوامل عديدة تسهم فيه، وفي المقدمة الحرب التي لا يشار اليها اطلاقاً، أو بالأحرى الحروب. لقد عرف العالم العربي، شأن مناطق أخرى، بعض «الحروب الصغيرة»، التي كانت في الغالب فتّاكة جداً: حرب اليمن 1962 ـ 1970، والنزاعات بين اليمنين، دون أن ننسى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1958، والأخرى الأكثر فظاعة من عام 1975 الى عام 1989. وكان الشرق الأدنى منذ الحرب العالمية الثانية، على وجه الخصوص، مسرحاً لخمسة حروب اسرائيلية ـ عربية، (1948 ـ 1956 ـ 1967 ـ 1973 ـ 1982)، والحرب بين العراق وايران (1980 ـ 1988)، وحرب الخليج الأولى (1990 ـ 1991) وغزو العراق الثاني. أن هذه النزاعات ذات الأبعاد العالمية كانت شديدة الوطأة: فقد استهلكت ثروات المنطقة، وشرّعت تدخل الدول الكبرى الأجنبية، وأدت الى عسكرة الأنظمة، وسُخرت لها كل موارد المجتمع وطاقاته.
وقد تمكن الحكام العرب، بفعل استمرار حالة الحرب هذه، من إبقاء مجتمعاتهم تحت السيطرة باسم مقاومة العدو الخارجي، وعلى الأخص اسرائيل وحليفها الأميركي. ومن المفارقات تمكن الحكام العرب من الاستفادة من حالة عدم الاستقرار هذه للحصول على دعم واشنطن المهتمة، قبل أي شيء آخر، بأخذ نفط المنطقة، بأرخص الأسعار. ذلك أن اللعنة الأخرى في هذه المنطقة، بعد لعنة الحروب، هي هذا الذهب الأسود الذي شجع التدخل الأجنبي وأمّن لأنظمة عديدة الموارد اللازمة للبقاء في السلطة، رغم فشل سياساتها التنموية.
لذلك لا يمكن اعفاء النظم العربية، ولا حتى قسم من النخب، من المسؤولية عن هذا الوضع. لكن ما دام النزاع الاسرائيلي العربي قائماً، وما دامت القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم، فأنه من المستبعد أن ينعم الشرق الأدنى بالاستقرار والديموقراطية. ولا يمكننا في هذه الحالة إلا أن نرتاب عندما يعلن بعض من أيديولوجي إدارة بوش عن إرادتهم بـ «دمقرطة» المنطقة من خلال الحرب في العراق.
أن الكلام عن «شرق أوسط كبير» مقترن بالاعلان عن ربيع «عربي» ينطلق من حقيقة لا جدال حولها: تعاظم طموح الشعوب العربية الى حرية تمت مصادرتها منذ عشرات السنين. وإن ربطت بعض الفئات هذا الحلم بـ «الديموقراطية الأميركية»، فالقوى الديموقراطية العربية لم تنتظر دعوة البيت الأبيض لتكافح من أجل تغييرات حقيقية. وهي تواجه، منذ عشرات السنين، الأنظمة الاستبدادية التي تدعمها بقوة الولايات المتحدة ـ ودعمها الاتحاد السوفياتي. من سمح لصدام حسين، وللعائلة المالكة في السعودية وعائلات الخليج، وللنظام المصري أو لدكتاتورية الحسن الثاني الفاسدة وآلة التعذيب التابعة لها أو لبن علي في تونس من سمح لكل هؤلاء غير الولايات المتحدة بالتمادي في سحق شعوبهم.
وإذا ما صدقنا دعاية المحافظين الجدد فأن جورج بوش يقلب صفحة «السياسة الواقعية» الصفيقة تلك. وفي الواقع شاهدنا أن نهجه الجديد قد أتاح له اسقاط دكتاتوريتي طالبان وصدام حسين، وزعزعت النظام السوري والتخلي عن ضرورة «استقرار المنطقة» لكن هل كان الهدف من ذلك احلال الديموقراطية في أفغانستان، والعراق، ولبنان وسوريا، أم كان إزالة العقبات عن طريق سيطرة الولايات المتحدة؟ في كل حال فأن البيت الأبيض قد خفف بعد غرقه في المستنقع العراقي، من طموحاته. ويبدو اليوم أكثر اهتماماً، بمظاهر انتخابات تعددية شكلية أكثر من اهتمامه بإقامة حياة سياسية واجتماعية حرة. فبمجيء دعوة الى انتخابات تهل البسمة على وجوه أيديولوجيي واشنطن. وهذا ما حصل، فعلاً، عند الدعوة الى الانتخابات التشريعية في العراق في ظل الاحتلال، وحصل أيضاً بالنسبة للانتخابات البلدية في السعودية (التي حرّم على النساء المشاركة فيها، ولم تطل إلا نصف المقاعد)، والحال نفسه بالنسبة للانتخابات الرئاسية، التعددية، في مصر، والانتخابات التشريعية التي زوّر جزء منها ـ دون نسيان الانتخابات الفلسطينية التي تجري،... في ظل الاحتلال الاسرائيلي!
الى ذلك فأن مهاجمة العراق وتهديد سوريا وإيران، والتخلي عن الفلسطينيين يشجع، بدوره، الميول القومية في العالمين العربي والإسلامي الساخطين أصلاً بفعل عذابات الفلسطينيين.
ويمكن الاعتقاد أيضاً بأن برامج مختلف الحكومات، العلنية والسرية، لانتاج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ سوف تستمر وتتسرّع، فكل من هذه البلدان يخاف من أن يصبح هدفاً لهجوم من جاره أو من الولايات المتحدة. وأخيراً أليس من شأن ذلك كله تشجيع الارهاب، وتنظيم القاعدة الذي كان ظهورهما على المسرح الدولي أحد الأحداث الهامة في بداية هذه الألفية.