أنت هنا

قراءة كتاب الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي

كتاب " الإنقلاب الشعبي في الوطن العربي " ، تأليف د. سمير التنير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 1

مقدمة

عن الاستبداد العربي

تطوعت الأنظمة السياسية في العالم العربي سواء في الممالك أو الجمهوريات أو الإمارات بتقديم العديد من المبررات لدعم استمراريتها وتأبيد سياساتها المعادية للديموقراطية والتنافس السلمي الديموقراطي، الذي وحده يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين. من هذه المبررات أن المجتمعات العربية غير جاهزة للممارسة الديموقراطية، وأن التعدد والمنافسة السياسية لم يتطورا بعد ليكونا أساس الاختلاف السياسي. وعادة ما يتم تصوير التنافس السياسي على أنه تعزيز للاختلاف مثل الصراع الطائفي والإثني والمناطقي. وتقدم الأنظمة العربية نفسها على أنها صاحبة القواسم المشتركة التي تدفع جانباً بالتنافس غير الإيجابي. ومن جانب آخر تقدم نفسها للعالم على أنها الأفضل بين البدائل المتاحة، ولكن ليس بالضرورة من وجهة نظر شعوبها.

ويختلف بعض المثقفين العرب المستقلين عن مثقفي السلطة من ناحية تشخيص الظاهرة والتعامل معها. ففي الوقت الذي يرى المثقفون المستقلون أن الأسباب التي تقدمها الأنظمة ضد التنافس السياسي غير شرعية، يرى منظرو الأنظمة أن هذه الأسباب تشكل عوامل تشتيت وتفرقة للوحدة الوطنية. يبقى الرأي العام العربي مغيباً في مثل هذه الحالة لعدة أسباب: أولها عدم وجود بيانات علمية موثوقة تدل على اتجاهات الرأي العام العربي نحو هذه الظواهر الاجتماعية ـ السياسية، وثانيها أن الرأي العام العربي غير مؤثر في عملية صنع القرار السياسي بحكم عدم وجود ديموقراطية سياسية يمكن أن يؤثر (أي الرأي العام) في مجراها.

تقدم الأنظمة العربية عروضاً لأميركا وأوروبا لخدمة مصالحها الأمنية في المنطقة خاصة مع بروز تحديات أمنية إقليمية جديدة منها: اتضاح انهيار المشروع الأميركي في العراق، وفوز الإسلاميين في انتخابات بعض الدول العربية، وصعود إيران كقوة إقليمية. ولكن هذه العروض لم تنطوِ عملياً على المساهمة الجادة في وضع حد نهائي لأي نزاع. فالاستراتيجية المشتركة للنظم العربية كانت دائماً الحرص على إبقاء النزاعات الإقليمية ساخنة، بحيث تحافظ على استمرار هاجس الأمن القومي متقداً دائماً، وقابلاً للتوظيف مع الشعوب ونخبها السياسية والثقافية، لإبقاء اهتمامها مركّزاً على العدو الخارجي، وبالتالي الدعم غير المباشر لمشروعية استمرارها دون تغيير، ولكن دون السماح لهذه النزاعات بالتفاقم إلى درجة تتهدد فيها مصالح هذه النظم.

وتصور تلك الأنظمة الإسلاميين كفزاعة لتثبيط حماسة الدعوة إلى الديموقراطية سواء لدى المجتمع الدولي، أو لدى النخب السياسية المحلية الليبرالية واليسارية والعلمانية والقومية، وتواصل ممارسة كل أنواع القمع البوليسي والإداري والتشريعي والإعلامي، بما في ذلك تكثيف حملات الاغتيال المعنوي عبر وسائل الإعلام للرموز السياسية الجديدة الصاعدة. كما تستغل، أي النظم الحاكمة، التناقضات والاختلافات بين النخب المعارضة، وضرب بعضها ببعضها الآخر، وخلق فجوة ثقة دائمة بينها، كي يستحيل بعد ذلك تحقيق توافقات ذات طابع استراتيجي قادرة على الصمود، مقابل القدرة الدائمة على إقامة تحالفات تكتيكية قصيرة الأمد بين النخبة الحاكمة وأقسام من النخب غير الحاكمة في مواجهة الأقسام الأخرى.

ونظراً للتشرذم الحاصل بين النخب المعارضة، لم يتوافر لها حد أدنى من قوة الدفع نحو الداخل لفرض تطبيق الديموقراطية، بل كانت مجرد أشواق تتطلع إلى الديموقراطية بصوت عال وأشكال صاخبة من دون أن تكون على استعداد لدفع ثمن الحصول عليها. ولا بدَّ إذن، من وجوب تقديم النخب غير الحاكمة تنازلات متبادلة، بما يمكنها من تشكيل قطب أو رقم حقيقي في المعادلات السياسية، قادر على القيام باختراق، ولو محدود، أو فتح ثغرة في جدار احتكار النخب الحاكمة للسلطة والثروة.

وإذا نظرنا إلى الانتخابات في البلدان العربية لرأينا ممارسات عجيبة غريبة لا تتفق أبداً مع الممارسات الديموقراطية الصحيحة. ففي الدول الديموقراطية ينتخب المواطنون أعضاء المجلس النيابي ليخدموا مصالحهم ويعملوا من أجل الخير العام. لكن أنظمة الاقتراع وهيكلية المجلس النيابي تختلفان من نواح عدة في العالم العربي. كذلك نجد، في حالات كثيرة، أن أعضاء المجلس النيابي لا يخضعون لتصويت المواطنين بل تعينهم سلطات تنفيذية أعلى. وفي بلدان عربية أخرى تحظى السلطة التنفيذية الرئيسة ـ أي الرئيس أو الملك ـ بسلطات أكبر من المجالس التشريعية أو النيابية التي تقتصر مسؤولياتها الأساسية على المصادقة على القوانين أو إصدار البيانات.

يستخدم مصطلح «الانتقال إلى الديموقراطية» على العكس من مصطلح «الانفتاح السياسي» للتعبير عن مرحلة أكثر تقدماً وأهمية وأشد جذرية في التغيير. فإذا كان الانفتاح السياسي يمثل إعادة ترتيب البيت القديم الذي انطفأت ألوانه وتآكلت جدرانه، فإن التحول إلى الديموقراطية يعني هدم البيت القديم وإقامة منزل جديد على أنقاضه، بتصميم مختلف ومواد بناء مختلفة. ولذلك يعرف الانتقال إلى الديموقراطية بأنه عملية «تفتيت النظام الاستبدادي القائم وإعادة بنائه وفقاً للأسس الديموقراطية». وتنطوي عملية الانتقال إلى الديموقراطية على توسيع المشاركة السياسية بطريقة تمكن المواطنين بشكل مباشر وجماعي من السيطرة الفعلية على صنع السياسة العامة.

يفتقد النظام الاستبدادي للشرعية الداخلية. وهو ما يمكن أن يحدث لأسباب كثيرة أهمها على الإطلاق في العالم العربي التراجع الاقتصادي الفجائي. أما بالنسبة للفشل العسكري، فلا يبدو في ظل التجارب التاريخية أنه ذو أهمية في بقاء النظام أو زواله، إلا إذا كان الفشل العسكري في مواجهة القوى الساعية إلى تغيير النظام. ويفتقد النظام الاستبدادي أيضاً للشرعية الدولية، وتتعدد الأسباب التي يمكن أن تجعله غير شرعي في نظر المجتمع الدولي. لكن أهم تلك الأسباب هو وصول المجتمع الدولي إلى قناعة بأن النظام الاستبدادي لا يلتزم بالأعراف الدولية؛ ويؤدي فقدان النظام للقبول الدولي إلى ضمان أن المجتمع الدولي لن يعارض عملية تغييره.

إنَّ توسيع قاعدة المنادين بالديموقراطية يتطلّب بروز قيادة ديموقراطية تقدر المسؤولية وترتقي إلى مستواها، وتتحلى بعنصر العمل الجماعي، والمشاركة مع الآخرين والتخلي عن عقلية الإقصاء، والاعتماد على العقل بدلاً من العاطفة في وضع برامج العمل والتصدي للتحديات.

إن على القادة الديموقراطيين والقوى السياسية إدراك خطر ثقافة الاستبداد والتخلف وسط الجماهير والعمل على مواجهة أبعادها الثقافية (ثقافة الخوف، وثقافة الإفلات من القانون ومن العقاب، وتقنين الفساد بين طبقات المجتمع وفئاته) وذلك باستخدام كل الوسائل الممكنة من وسائل إعلام وتربية وصحافة ونشر ولقاءات مباشرة، وكذلك إنشاء مراكز لتعميم ثقافة المواطنة والديموقراطية.

الصفحات