كتاب " الرواية العربية والتنوير " ، تأليف د. صالح زياد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الرواية العربية والتنوير
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الرواية العربية والتنوير
بلاغة المقاومة للطائفية: الرواية وتفكيك التعصب
منظور الخرق للمتصل الثقافي تجاه الآخر
حين نقرأ عنوان رواية الروائي اليمني علي المقري «اليهودي الحالي» (2009) ندرك أن ثيمتها الرئيسة تقوم على علاقة الذات بالآخر، وذلك لأن صفة اليهودي في العنوان هي نسبة دينية ولا معنى لنسبة كائن وإنمائه على هذا النحو إلا في مقابل ذات بالمعنى الذي يخصص الذات هنا في انتمائها الديني.
أما أن يكون اليهودي هو الآخر في هذه الرواية، فهي آخرية لا يدل عليها، فحسب، اسم المؤلف الذي يعلو العنوان معيناً نسبة إسلامية، بل تدل عليها النسبة ذاتها التي تتضمنها صفة اليهودي، لأنه لا معنى لمثل هذه النسبة من دون أن تكون في سياق آخريتها أو في مقام التلفظ بها لمجاورة المختلف عنها وحضوره في قبالتها.
وقد كانت عبارة العنوان هذه، ملفوظ فاطمة المتكرر للفتى سالم اليهودي، في متن الرواية من خلال حكاية الغرام بينهما التي تمثل صلب الرواية وقاعدتها السردية. ولهذا فإنها ملفوظ للدلالة على الآخرية، التي تصطحب في هذه الحالة بالضرورة سياق الوجود وسياق الذاكرة، لمضاعفة تلك الآخرية بدلالة القلة اليهودية في دولة اليمن كما هو معروف، وبدلالة التوتر والشحناء القديمة الجديدة تجاهها في الذاكرة العربية الإسلامية.
وتزداد تلك الدلالة إثارة من خلال تشخُّصها في ذَكَر يهودي وفتاة مسلمة، وليس العكس، فالأنثى في الثقافة دلالة ضعف وحماية، ودلالة كثافة للمحافظة على الهوية وتقديسها والصيانة الشديدة لنقائها.
أما دلالة «الحالي» التي وردت صفة لليهودي، وتعني الوسيم أو المليح، فتؤشر على منظور الرواية الذي يكسر نمط العلاقة الثقافية العربية باليهود، ويخرق متصل الخطاب لتوليد إثارة وخلق حدث بالمعنى الروائي والتداولي. وهو منظور تترامى به الرواية إلى ممارسة دور نقدي تجاه الثقافة لتوليد معان إنسانية ووطنية بمنجاة من التعصب والكراهية والاحتشاد بالبغضاء والمكائد المتبادلة.
ولم يقتصر هذا الدور النقدي على الثقافة العربية الإسلامية إجمالاً، ولا على الثقافة اليمنية خاصة، بل مارس الدور نفسه تجاه الثقافة اليهودية المليئة بالتعصب والكراهية. كما لم تقتصر الآخرية هنا على اليهود بل أظهرت آخرية أخرى في اليمن، تتمثل في أصحاب بعض المهن كالقصَّابين، في دلالة على أن فضاء التعصب لا يكف عن توليد أوهام الذات المشوِّهة لإنسانيتها وعقلانيتها.
وقد أضاف خطاب الرواية إلى منظور العكس والخرق، روايتها على لسان اليهودي سالم، الذي يرويها بضميره المتكلم، مؤلفاً مع فاطمة، ثم مع ابنهما وزوجته فحفيدهما الذي يستأنف رواية فصلها الأخير، ذاتاً ثالثة تخرج عن ثنائية الذات والآخر، وتجمع طرفيها المتنابذَيْن في الوقت نفسه مولِّدة مزيجاً من رؤية ثقافية إنسانية متسامحة ومضادة للتعصب والإقصاء والكراهية المتبادلة.
وهذا العكس أو الخرق من جهة الراوي هو ناتج القياس على مؤلفها اليمني العربي المسلم الذي منح آخره اليهودي الذي يشاركه في الصفة الوطنية لساناً ينطق ورواية تحكي بطولته التي كانت خرقاً ثقافياً صاعقاً بأكثر من معنى. ويتضح ذلك باستبدال افتراضي نتصور فيه أن المؤلف يهودي يمني، بحيث يبدو التطابق أو التجانس بينه وبين بطل الرواية؛ ففي هذه الحالة، وعلى الرغم من أن مغزى الرواية المضاد للتعصب وإقصاء الآخر لن يبرح، فإننا سنفتقد لخرق المتصل وما يولده صدورها عن معين ثقافي ذي كثرة وهيمنة من عكس التوقع وكسر العادة.
لهذا فإن الرواية من زاوية الاختلاف بين مؤلفها وبطلها تتجاوب مع ثيمتها وحدثها الأساس وتعزز صدقية رؤياها الإنسانية ودلالاتها النقضية تجاه الدولة الطائفية، التي تبدو بالضد من المعاني المدنية التي تؤلف العقد الاجتماعي على مبدأ المواطنة والعدالة والمساواة، وتنتج الحقوق وتحميها.
وهو مغزى يجاوز التاريخ إلى الحداثة، والماضي إلى المستقبل، والعزلة إلى الانفتاح، والتخلف إلى التقدم... تلك المتقابلات التي اتخذت الرواية إستراتيجيتها السردية في توليد الاصطراع لدى قرائها معها، وتكثيف حسها الإشكالي فيهم بما يجاوز انحصارها في التعصب ضد آخر اجتماعي بالتعيين، إلى التعصب ضد الذات الذي يولِّده حرمان هذه الذات من اكتشاف الإنسان فيها ووراءها، بحيث تؤول إلى ذات متوحشة!