قراءة كتاب في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

كتاب " في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه " ، تأليف حبيب صادق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

العطب البنيوي وانحسار الموارد (4)

في محاولة متواضعة للإجابة عن سؤالكم ننطلق من موقعين اثنين: موقع المشاهد المتتبِّع لحركة الهيئات والنوادي الثقافية الفاعلة في لبنان، وموقع العامل، في حدود الممكن في إطار هيئة ثقافية عريقة يدرجها متخصِّصون في لائحة الهيئات الثقافية الفاعلة في لبنان، أعني بها المجلس الثقافي للبنان الجنوبي.

انطلاقاً من هذين الموقعين أسارع إلى القول، بلا تردد، بأنَّ ضرباً من الضعف ـ ولا أقول الاسترخاء ـ قد أصاب الهيئات الثقافية في عصب حركتها الفاعلة.

من باب الاستدراك، الذي يوجبه الالتزام بمبادئ العدالة في الحكم، أذهب إلى الأخذ بنظرية التفاوت، فلا أضع مختلف الهيئات والنوادي الثقافية على مستوى واحد، إن من حيث الإنتاجية النسبية، أو من حيث التأثر بظروف قاهرة وعوامل خارجة عن إرادتها وعن رغبتها في العمل والإنتاج.

ومهما يكن، فثمة أسباب، لا ريب في قيامها، قد أصابت، إلى هذا الحد أو ذاك، حركة هذه الهيئة أو تلك بعطب الإعاقة، فبدت عليها ظواهر الضعف بخلاف ما كانت عليه سابقاً، من امتلاء عافية وزخم نشاط.

إنَّ تلك الأسباب المعوّقة كثيرة ومتنوعة، في نظري، وهي موزَّعة على محورين اثنين: الذاتي والموضوعي بدرجات متفاوتة أيضاً.

نكتفي، هنا، بالإشارة إلى أسباب ثلاثة لا غير من الأسباب الذاتية الكثيرة وهي:

1 ـ العطب البنيوي، إن صحَّ التعبير، المتمثِّل بمفارقة عجيبة. فمن جهة يطالعك من الهيئة تضخُّم في هيكلها العام إنما لا يسهم، بأكثريته العظمى، في أي نشاط مثمر، ما من شأنه أن يُفقِدَها قليلاً أو كثيراً من الحيوية ويصيبها بقدر من الضعف ويَحرِمها، بالتالي، جانباً مهماً من الدور المطلوب منها في الحياة الثقافية العامة.

ومن جهة مقابلة يطالعكم منها مشهد نفر قليل، وربما قليل جداً من أعضائها، يحاول، قدر الاستطاعة، أن ينهض بمفرده بمسؤوليات الهيئة الثقافية بكاملها حذر الجمود والتخلف، وذلك في زمن تعاظمت فيه الحاجة إلى التغيير وتعقَّدت فيه آليات النشاط الثقافي وتكاثرت أجهزتها اللازمة لنجاح العمل والتقدم على طريق التطور.

2 ـ افتقار بنية الهيئات الثقافية، في معظمها، إلى العنصر الشاب الذي من شأنه أن يولد الحيوية والحرارة في الجسم الذي يتحرَّك في داخله، وأن يوفِّر عوامل التجدد في هذا الجسم، وإمكانات التخطي والتجاوز.

ولسنا، هنا، في سبيلنا إلى دراسة هذه الظاهرة، فالمجال، هنا، لا يتسع حتماً، إنما لا يسعنا إلَّا الاعتراف، بأنَّ قيادات الهيئات الثقافية، بذهنيتها ونهجها وممارستها، تتحمَّل النصيب الأوفر من المسؤولية، عن إحجام الجيل الشاب، من الجنسين معاً، عن الانتساب إلى هذه الهيئات، والعمل الجاد في أطرها المختلفة.

3 ـ انحسار الحدود المادية إلى حد الجفاف، ومرد ذلك يعود، بلا ريب، إلى الضائقة المعيشية التي تعانيها الطبقة المتوسطة وما دونها من فئات اجتماعية، وهي، في مجملها، تشكل المهد الاجتماعي للكثرة الكاثرة من الهيئات الثقافية في لبنان. من هنا يتعذَّر على المنتسبين إلى تلك الهيئات، وعلى أصدقائهم أيضاً، أن يواصلوا المدد المادي الذي كانوا ملتزمين به تطوعاً في السابق.

أما أسباب الإعاقة الموضوعية فكثيرة، هي بدورها، ومتنوعة، إلَّا أننا محكومون في هذه العجالة، بأن نكتفي بالإشارة إلى ما نراه الأبرز منها وهي، بدورها، ثلاثة أسباب:

1 ـ الأزمة العامة المستعصية التي تخترم بنية المجتمع اللبناني في أكمله، وتشيع فيه عناصر الشلل والجمود متسللة إلى شتى مكوناته ومرافقه، وإلى مختلف هيئاته وتشكيلاته من دون استثناء، سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم ثقافية... الخ.

2 ـ إحجام الدولة، بإدارتها المعنية، عن القيام بدورها المسؤول دعماً للهيئات الثقافية الفاعلة في لبنان، وهي معروفة لديها تماماً، والاكتفاء فقط بتوفير أسباب الدعم المادي، من الاعتمادات المخصَّصة لذلك في الموازنة العامة، لأفراد يتمتعون، وهيئات تتمتع، بحظوة خاصة لدى كبار المسؤولين في تلك الإدارات الرسمية المعنية.

ونحن إذ نطالب الدولة بالقيام بدورها الداعم للهيئات الثقافية الفاعلة، لا نرمي، إطلاقاً إلى تأمين الدعم المادي لها، وإن كان هذا من حقِّها المشروع، بل نرمي، أساساً إلى توفير أسباب الحرية لعمل تلك الهيئات التزاماً بالمبدأ الدستوري الذي يكفل حرية الرأي والتعبير والمعتقد والاجتماع وغيرها من الحريات العامة. كما نرمي إلى تأمين الحاجات البالغة الأهمية والشديدة الضرورة للحركة الثقافية العامة في لبنان والتي تعجز الهيئات، بإمكاناتها المحدودة، عن تأمينها للنهوض بموجبات هذه الحركة ونعني، تحديداً، تأمين صالات للمعارض التشكيلية ومعارض الكتب والمنتوجات الحرفية ومتاحف للآثار والفنون، إضافة إلى تأمين المكتبات العامة والمسارح ودور السينما وبيوت الثقافة (موسيقى وغناء ورقص) وقاعات للمؤتمرات والندوات الثقافية المتنوعة...

لا شك، في أن تأمين هذه الحاجات، الأساسيات في مجتمعات العصر، يوفِّر للهيئات الثقافية الظروف الملائمة والمشجعة لممارسة نشاطها المتنوع الوجه نحو الأفضل كما توفر، أساساً للحركة الثقافية العامة شروط تحقُّقها وتطورها وفق متطلبات روح العصر...

ومن نافل القول أن ذلك مرهون بمعالجة الأزمة العامة، المستعصية والمزمنة، وإيجاد الحلول الملائمة لها.

3 ـ غياب المؤسسات الاقتصادية والمالية في لبنان عن ميدان التقليد السائد في المجتمعات المتقدمة في العالم، وبخاصة في الغرب، والمتجلي في تخصيص الهيئات الثقافية ومراكز الأبحاث والإبداع باعتمادات وازنة في موازناتها السنوية دعماً للإنتاج الفكري والأدبي والإبداع الفني والبحث العلمي وإغناء الحياة الثقافية العامة في المجتمع.

يبقى أن نحاول الإجابة، أخيراً، عن سؤال الدور الذي نقوم به، في إطار الهيئة الثقافية التي نعمل في إطارها وهي المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، فنقول، اختصاراً:

على الرغم من وطأة الأسباب المعوِّقة التي سبقت الإشارة إلى بعضها مضافة إليها الأسباب الخاصة التي يفرزها، في تمادٍ واستفحال؛ وضع الجنوب اللبناني، الجارح المعالم، وهو مهد المجلس الثقافي وأرض همومه وفضاء تطلعاته والأحلام.

نقول برغم ذلك، فالمجلس سواء في مقره المركزي، في بيروت أو في مقره الفرعي في مدينة النبطية، لم ينقطع عن ممارسة نشاطاته الثقافية، المتعددة الوجوه، إلَّا عند هبوب العدوان الإسرائيلي على الوطن بعامة وعلى جنوبه بخاصة، واتساع رقعة حرائقه وخرائبه واشتداد قبضته الفولاذية على الحركة العامة في ربوعه وفي المقدمة الحركة الثقافية.

لا ندَّعي، مطلقاً، بأنَّ ما نقوم به من نشاط ثقافي متنوع يرتفع إلى مستوى طموحنا ويحقِّق ما نصبو إليه من إسهام فاعل في إنعاش الثقافة في لبنان، فدون ذلك تلك الأسباب الموضوعية والذاتية التي أتينا على ذكر الأبرز منها سابقاً.

من هنا لا نسترسل في عرض ما قمنا به، في المقرّين معاً، من ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية وموسيقية وغنائية ومعارض فنية ولقاءات ثقافية واجتماعية، واستضافة مفكّرين وأدباء وشعراء معروفين لبنانيين وعرباً. فذلك كله ليس إلَّا جهد المقل وما سمحت به الظروف الخاصة والعامة..

ونعترف، بصوت مسموع، بأنَّ ما نقوم به من نشاط ثقافي، على تواصله وتنوعه، لا يمنح المجلس سمة الدخول إلى دائرة الفعل المؤثر المميز في الحياة الثقافية اللبنانية، ذلك لأنَّ هذه الحياة، ليست إلَّا وجهاً من وجوه الحياة العامة في لبنان، التي تحكمها قوانين الواقع الاجتماعي في لحظته التاريخية البالغة التعقيد والصعوبة والتأزُّم. وما لم نساهم جميعاً في إحداث تغيير جذري في بنية هذا الواقع، سيظل لبنان الثقافة، مشروعاً يتوقف إنجازه على قوى التغيير الديمقراطي في سياق نضالها اليومي، من أجل إنجاز مشروع الدولة المدنية الديمقراطية، العلمانية العادلة والمجتمع النامي والمنتج والمتطور..

وفي ضوء هذه الحقيقة الموضوعية، يتعيَّن علينا أن نقرأ، بعمق ومكاشفة صريحة مع الذات، تسمية بيروت عاصمة ثقافية للعالم العربي هذه السنة التي تمضي، عدواً، نحو نهايتها المحتومة. فالعبرة، في ميزان القيمة العلمية، ليست في تسمية جميلة تخلع على عاصمتنا، ذات التاريخ العريق والمنزلة الثقافية الباذخة، وذلك كهِبَةٍ من واهب لأجلٍ مسمَّى، مهما يكن شأن هذا الواهب ومهما سمت مقاصده، إنما العبرة في المسعى المنهجي الحثيث الذي نرمي إليه كافة، وهو أن تستعيد بيروت تلك المنزلة الثقافية التي كانت تتبوأها بانحيازها إلى الحرية والديمقراطية والتنوع والنزوع إلى التجديد والإبداع. بل نرمي، أيضاً، إلى تجاوز ما كان سابقاً، والوثوب إلى عاصمة المستقبل القائمة على مكوناتها الأساسية: الجامعة الوطنية العصرية، ومراكز الأبحاث والدراسات العلمية، والبيوت الثقافية، والمسارح والمتاحف والمكتبات العامة، ودار أوبرا، وفي تخصيص اعتمادات كافية في الموازنة العامة لدعم الإنتاج الإبداعي في مجالاته المختلفة، ولتعزيز الحركة الثقافية الوطنية الديمقراطية الأصيلة والمتجددة في المركز والأطراف سواء في سواء.

الصفحات