كتاب " في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه " ، تأليف حبيب صادق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه
رسالة الثقافة المسؤولة (5)
... يأتي هذا اللقاء الثقافي الجامع، في زمنه، ترجمة أمينة لمسعى مشترك بين مؤسستين ثقافيتين: واحدة منهما تقيم على الضفة الشرقية من الأبيض المتوسط، هي: "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي" المسكون بهاجس التحرر الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والثقافة الوطنية، والثانية تقيم على الضفة الشمالية ـ الغربية من هذا البحر الجامع، هي "مؤسسة من أجل تقدُّم الإنسان" المرصودة لقضية الإنسان على وجه هذا الكوكب الأرضي..
لعلَّ من المفيد الإشارة إلى أنَّها ليست المرة الأولى التي يسع المجلس أن يقيم لقاءً أو مؤتمراً للثقافة، بالتعاون مع مؤسسة ثقافية أو أكثر، تقيم خارج حدود لبنان.. فقد وُفِّق المجلس، في غضون السنوات الماضيات، إلى إقامة جملة من المؤتمرات الثقافية الوازنة، بالتعاون مع كثرة من المؤسسات الثقافية العربية، نذكر منها باعتزاز كبير: "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية" في مصر، و"اتحاد الكتاب العرب" في سورية، و"اللجنة الوطنية الدائمة لمناصرة المقاومة الوطنية اللبنانية" في دولة الإمارات العربية المتحدة، و"المجلس القومي للثقافة العربية" بمقره المركزي في الرباط ثم "اتحاد الكتاب والصحافيين في الجزائر"..
إضافة إلى ذلك، نذكر، بامتنان بالغ، بعض المؤسسات الثقافية الغربية التي جرى التعاون معها ثقافياً، كـ "النادي الثقافي الإسباني العربي" في مدريد و "جامعة أوتاوا" في كندا و "جمعية الأدب الحديث" في برلين الغربية، قبيل انهيار جدارها الفاصل.
فلا بدع إذاً، أن تقوم علاقة تعاون ثقافي واجتماعي بين "المجلس" و"المؤسسة" وأن تنعقد هذه العلاقة على هذا اللقاء الثقافي العربي الأول الذي تحتضنه العاصمة بيروت بترحاب.
آثرنا، عامدين، أن ينعقد جمعكم في لقاء ثقافي مشرع الفكر، طلق الصوت، بعيداً عن مقتضيات العادة المتبعة في عقد المؤتمرات العامة والندوات المختصة. فليس من ضرورة، هنا، الى تقديم دراسات أو أبحاث يتمحور حولها النقاش ليس غير. لقد أردنا أن يشكل هذا اللقاء مساحة حرَّة للنقاش بلا ضفاف، يتلاقى على أديمها الرحب لفيف مختار من مفكري العرب وكتَّابهم وشعرائهم ومن أهل البحث والخبرة، لكي ينخرطوا جميعاً، في حوار مفتوح على طائفتين من المواضيع العامة: فيها العربي وفيها العالمي وهي، على المستويين، مجرد عناوين عامة لجانب من همومنا الكبرى ونحن نقف على عتبة الألف الثالث من الميلاد.
كبير أملنا في أن يقارب هذا اللقاء، في الحوار المشرع الأبواب، ما اندرج من مشاريع أفكار ومقترحات يُصار إلى تقديمها، سواء في أوراق عمل موجزة ستقدم في مستهل الجلسات أم في مشروع الوثيقة الموضوعة بين أيدي السادة المشاركين، والداعية إلى بناء "تحالف من أجل عالم مسؤول ومتضامن"... انطلاقاً من المبادرة الجادة لتجاوز الإحساس بالعجز ثم الشروع في البناء.. إنها دعوة تستبطن مشاعر إنسانية نبيلة مقترنة بمطامح سامية.
هذا المشروع طرحته علينا "مؤسسة من أجل تقدُّم الإنسان" مشيرة إلى أنَّ "التحالف" الذي تأخذ بمبادئه يطمح، بحسب ما جاء في الوثيقة، إلى صوغ مقترحات من أجل المستقبل هي خلاصة التلاقي في الأعمال والأفكار، حول قضايا عصرنا الكبرى...
ونحن، في هذا اللقاء الثقافي، إذ نتقدم، من السادة المشاركين والمشاركات، بهذه الوثيقة فليس على سبيل الأخذ بها، كما جاءتنا، بل على سبيل قراءتها، قراءة نقدية، وإعادة صوغها، في ضوء ما ازدحم في واقعنا العربي الراهن من قضايا ومعضلات هي، في الأصل، ذات علاقة عضوية بقضايا العصر ومعضلاته. فالوثيقة، في الأساس، مطروحة للنقاش، بهدف التعديل والإضافة.
وإسهاماً منا في هذه القراءة النقدية، نبادر، من فورنا، إلى طرح جملة من الأسئلة في صيغة دعوة مخلصة إلى نقاش معمَّق واسع النطاق بين السادة المشاركين والمشاركات...
فإذا كانت الوثيقة تُقرأ من عنوانها: "من أجل عالم مسؤول ومتضامن"، يحق لنا أن نتساءل، إغناءً لمضمونها وترسيماً أدق للحدود:
لماذا عالم اليوم غير متضامن وغير مسؤول؟..
وعلى من تقع، بالتحديد، تبعة ذلـك؟
وهل يوجد، في ظل السيطرة الجامحة لمنطق القوة، إمكان لإعادة الاعتبار إلى منطق الحق والعدالة، ولإحياء الشعور بالمسؤولية العامة، وبضرورة التضامن العالمي؟؟.
ثم كيف نعيد روح التضامن إلى العالم ونجعله مسؤولاً وهو يواجه كل الاختلالات الكبرى القائمة بين شماله والجنوب وبين أغنيائه والفقراء وبين شرائح من أسرته البشرية والبيئة الطبيعية؟؟ كما يواجه، في الوقت عينه، الاختلالات الإقليمية البالغة الخطورة، ذات العلاقة العضوية بتلك الاختلالات العالمية الكبرى، وفي رأسها، على المستوى العربي، الاحتلال الإسرائيلي المقرون بإرهاب الدولة المدجَّجة بمخالب نووية والمستمر قائماً، منذ عشرات السنين، في جنوب لبنان وفلسطين وفي الجولان السوري. ثم الحصار المحكم حول العراق وليبيا والعدوان على السودان مع تمادي النهب الاستعماري لثروات الشعوب العربية واستمرار التحكم بمصيرها...
هذه الاختلالات، على تنوعها وتعددها، ليست ضروباً من العقاب ينزلها القدر بالشعوب والأوطان بل هي إفرازات أنظمة جائرة ونتائج سياسات ظالمة، يحكمها جميعاً ميزان القوة على الصعيدين: العالمي والإقليمي...
في ضوء ذلك، هل يصح منا تجاهل الفاعل ونحن نتوجه بالدعوة، من موقع الثقافة العربية المسؤولة، إلى إعادة تأسيس حركة نهوض عربي جديدة، ذات أبعاد متلازمة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، على توجُّه تحرري ديمقراطي تقدمي.. وتوجُّه يطمح إلى تقدم الإنسان وقيام العالم المتضامن المسؤول؟... وفق ما جاء في شعار هذا اللقاء.
إنَّ دور المثقف الرئيسي هو الجهر بالحقيقة.
وإنَّ الشرط الأساس في المواجهة العامة معرفة طبيعة الصراع والتناقض الرئيسي، على المستويين: الإقليمي والعالمي، في مرحلة محددة من الزمن، هي مرحلتنا الراهنة.
من هنا نرانا محكومين بتسمية الأشياء بأسمائها السافرة غير المقنَّعة أو الملتبسة...

