قراءة كتاب في بلاد الدخان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في بلاد الدخان

في بلاد الدخان

كتاب " في بلاد الدخان " ، تأليف هدى عيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

في بلاد الدخان

التّقديم

يقول الشاعر الناقد والأديب الكبير أدونيس (1) «ليس كلّ من يكتب يمكن أن يعدّ كاتباً. وليس كلّ من يعرف أن يعالج فكرة أو ينظم قصيدة يمكن أن يعدّ مفكّراً أو شاعراً، فأن يكون الإنسان كاتباً أو مفكراً أو شاعراً أمرٌ خطيرٌ ومرتبةٌ صعبة...».

هو أمر خطيرٌ أن تمسك القلم في محاولة لسطر كلماتٍ قد تصل وقد لا... قد تفلح في التّعبير عمّا تريد، عمّا تشعر وقد تخطىء، قد تتمكّن من بثّ إرهاصات ذاتك وقد تموت دون أن تفعل!!! ولكن... تبقى الكتابة امتيازاً ومتعة، تبقى محاولة مستميتة لنقلةٍ ما، قد تكون على مستوى المأمول أولا... إنها رِحْلَةٌ في قلب المجهول بحثاً عن حقيقة من نوع جديد تحمل لوناً من الاختلاف...

إلى كل من قد يؤمن إيماني بالكلمة... في زمن تُغتالُ فيه الكلمات.

هدى عيد نيسان 2001

(1)

يدهشه المجلس بمن يضمّه ويرفع عينيه بين تارة وأخرى يسترق من وجهها نظرة.

تظهر اللاّمبالاة لكنْ يتولّدُ لديه إحساسٌ خفيٌّ بأنها شديدة الاهتمام بنظراته المسترَقَة تلك وتكاد عيناهما تلتقيان للمحة ولكنها تسرع بالفرار.

يعود ينصت لمن حوله، يسمع التّعليقات ويحاول أن يستعيد إلى ذهنه شَتات الموضوع المطروح. ويعلّق الأستاذ «علي» محامي القرية القديم وقد بدا ببدلته الرّمادية وياقته التي أحكمت ربطتها شديد الأناقة حيال من ضمّهم المجلسُ مِنْ غيره مِن الرّجال، فالكلّ كان يبدو مرتاحاً في جلسته يرتدي البنطال والقميص ويضع في رجليه ــــــ مشاية ــــــ خفيفة زيادة في طلب الرّاحة بينما كان هو يجلس معتدّاً بذاته، يلقي نظراتٍ متعالية من حين لآخر ــــــ طبعاً يحقّ له أن يتزوّج ثانية ما دام فقد الأمل في إنجاب زوجته الأولاد، يحقّ للرجل أن تكون له ذرية، والدّين لم يحرمه هذا الحق «مثنى وثُلاث ورُباع» أليس كذلك، ما قولك يا دكتور؟

يفجؤُهُ السؤالُ، يجد نفسه في موقع المستمع المراقب أفضل منه متكلماً ولكن لا مناص:

ــــــ الواقع هذه مسألة دقيقة يا سيد «علي»، ولها ظروفها الخاصة. أنا شخصياً أجد مسألة الأولاد ثانوية حيال مسائل أخرى.

يحاول المحامي ابتلاع امتعاضه ويتعمّد تغيير دفّة الحديث.

ــــــ وماذا فعلت بعيادتك الجديدة، كيف تجري الأمور معك في بيروت؟

باسماً يجيب:

ــــــ الحمد للَّه؛ لا زالت الأمور في بدايتها، وأعتقد أنّي أحتاج وقتاً ما لكي أجتذب الزبائن، إذ يبدو لي هذا البلد محتاجاً للدّعاية في كلّ شيء.

وأكمل يخاطب نفسه، ومحتاجاً للمظاهر والبريق في كل شيء، ولا بدّ أن تكون للطبيب سيارة، أن تكون له شقةٌ فاخرة وأن يضع نظارات شمسية لكي يكتسب ثقة الزبائن.

يعنيه أن يسترقَ النّظر مجدداً إلى وجهها، أيّة مصادفة ألقت بها في بيتهم اليوم؟!

تقول والدته أنّ أمها تزورها دائماً ولكن ما شأنها اليوم ترافقها بالزيارة ويعلو صوت «أبي مالك» محشرجاً ولكن فيه طيبة:

ــــــ كلنا زبائن عندك يا حكيم. يعجبه وجه الرجل فيه بساطة قروية ودعة تغيبها في عيون من سكنوا المدينة ادعاءات التّحضّر.

يبتسم ولا يجيب. ينصرفون فيشيعهم إلى البوابة الحديدية العتيقة ولا ينسى أن يشملها بنظرة لفتها من قمة رأسها ولمحت ساقيها.

لا زالت كما عاشت أياماً في خياله: جميلة...

اقتطع غصناً صغيراً بورقِهِ من شجرة «الفيكوس» العتيقة أمام بوابة الدار وعاد إلى موضعه ــــــ أتى بها والده من بيروت حين كان قيّماً على العمّال في البلدية ــــــ تلتفّ حوله العائلة مجدداً يَقْتَعِدُ الحائط الحجري الوطيء، وقد تعرّشت وراءه ورودٌ تُعنى بها أمّه؛ تسرح عيناه إلى البعيد، تقترب منه أمّه برائحتها المميزة، لطالما أحبّ هذه الرائحة ولطالما زرعت أماناً غريباً بداخله: لستَ هنا! تقول له، يحبّ منها أنها تفهمه على أميّتها، يجد إدراكها لبعض الأمور يعكس وعياً يفتقده بعض من تعلّموا.

لطالما كشفت ستراً عنْ أمورٍ أراد إخفاءها، كشفتها بحدسها بدفق الأمومةِ في داخلها لكنها كانت أكرم من أن توقعه في إحراج المصارحة اكتفت بمجرد التّتبع الصّامت لمُجرياتِ الأمور.

ربت كتفها وقد سرق الحزنُ ابتسامتَه: أنا إلى جوارك. وكأنها تكمل إجابة عمّا سألها: تزوجتْ فجأةً رجلاً غريباً، يُقال إنه من «جباع» آخرون ذكروا أنه من «جويّة»، أهله قضوا عمراً في أفريقيا وتكدست من تجارتهم هناك الأموال. جاء خطفاً إلى القرية زيارتين، ثلاث وتمت الزيجة وسافرا كذا سنة هناك قضتها وها هي تعود، قبل شهرين من عودتك أتت والدتها إليّ زائرةً وفي عينيها لمحت بريقاً: وفيقة عادت لزيارتنا. وما أكملت وغيّرتُ أنا مجرى الحديث، وتجاهلتُ ما أرادت منّي عنه السؤال.

الصفحات