كتاب " مقالات الوعي الوطني " ، تأليف صلاح بن يوسف الجودر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات الوعي الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مقالات الوعي الوطني
قرن الخلاف والتناحر
ما إن أنهيت كتابة المقال السابق (الطريق إلى الإرهاب والتطرف والغلو) حتى جاء خبر المخطط الإرهابي الذي كشفته الأجهزة الأمنية بالمملكة العربية السعودية وعن إلقائها القبض على 172 متشدداً، البعض منهم قد تدرب على قيادة الطائرات لتدمير المواقع النفطية والعسكرية كما وقع في الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر حين تم تدمير برجي التجارة ووزارة الدفاع الأميركية، لقد تأكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك بأن المخططات الإرهابية ليست لدولة دون أخرى، ولا لمنطقة دون سواها، فها هي الشقيقة المملكة العربية السعودية ودول الجوار تتعرض لنفس التهديد وبنفس السيناريو.
لقد أعاد هذا المخطط التدميري إلى نفوس أبناء المنطقة المخاوف من خطورة ظاهرة التطرف والغلو والإرهاب التي انتشرت بين فئات الشباب، وكشف المخطط الإرهابي عن مدى اللوعة والأسى التي في نفوسنا بعد أن اعتقدنا بأننا في مأمن من تلك المخططات، لماذا يريدون تدمير أوطاننا وترويع أبنائنا والقضاء على مستقبلنا؟، لماذا يسعون لقتل الشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والطفل الصغير؟، لماذا يحاولون إيقاف عملية البناء والتطور في ديارنا؟، لماذا أصلاً يتبنون منهج القتل والدمار والتخريب؟، كم حذرنا من خطورة هذا المنهج؟، وكم أنذرنا من مغبة ذلك المسلك؟.
إن المتابع والمراقب للساحة السياسية اليوم يلحظ وبشكل كبير بأن هناك أيدي خفية تريد إشعال المنطقة وبشتى الوسائل، من تفجير المنشآت النفطية والعسكرية والمدنية، وبث بذور الخلاف والشقاق بين الطوائف والأعراق، ومحاولة أفساد العلاقة بين الحاكم والمحكومين، لقد ارتفعت راية الغلو والتعصب والتنطع في الدين كما وصفها بعض مشايخنا، وأصبح الفرد والحزب والتيار يدعي الحق المطلق وما عند الآخرين إنما أحلام وأوهام، حتى خرجت علينا فرق التكفير والتفسيق والتبديع بدعاوى الإصلاح والخير للأمة، فلم يسلم منها عالماً أو مصلحاً أو مربياً إلا لمزوه بالمداهنة والسطحية وبيع الدين بالدنيا، وما كل ذاك إلا من أجل خلخل الصفوف ونشر الفوضى.
قد يتساءل البعض منا ما الهدف من زحزحة الأمن في الشقيقة المملكة العربية السعودية وفي هذا الوقت بالذات؟، إن الأمر لا يحتاج إلى كثير عناء أو مجاهدة، ويمكن حصره في الآتي:
أولاً: إن الفكر التكفيري يحاول ومنذ فترة التغلغل والوصول إلى مراكز الشباب في المملكة، ومن ثم محاولة غسل أدمغتهم وتحويلها إلى أجهزة استقبال، تنفذ ما تتلقاه من سماسرة القتل والدمار، فالفكر التكفيري ينشط في مثل هذه البيئات (بيئات الشباب) لأن الشاب أكثر قبولاً لتلك الأفكار وأكثر حماسة لتنفيذها دون النظر في عواقبها، فمن السهل إقناع الشاب بالأوضاع الصعبة التي يعيشها، فهو دون عمل ولا مسكن ولا مستقبل، من هنا يكون صيداً سهلاً للأعداء يستغلون طيبته وحياءه وخجله، فيبدون تمرير إنكار المنكر، وأنه المسؤول عنه دون غيره من خلال تأصيل حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)، فيصبح الشاب أداة طيعة في أيدي أعداء الأمة الذين يقيدونه في سجلاتهم ضمن الطابور الخامس في وطنه.
ثانياً: إن المملكة العربية السعودية دون غيرها قد لعبت في الفترة الأخيرة دور المصلح بين الأشقاء العرب الأمر الذي أغاظ الأعداء، فقد جاءت تلك المساعي بنتائج إيجابية، اتفاق الطائف بين الفرقاء اللبنانيين، واتفاق مكة المكرمة بين الفصائل الفلسطينية (منظمة فتح وحركة حماس)، وتخفيف الشحن الطائفي الذي بدأ بالظهور في المنطقة حينما اجتمع الملك عبدالله برئيس الجمهورية الإيرانية، وأكثر من ذلك فإنها استضافت القمة العربية في أصعب أوقاتها، القمة التي أعتبرها المراقبون أنها من أنجح القمم العربية، هذه المساعي التي قامت بها المملكة العربية السعودية كانت كفيلة بأن تكون هدفاً لمخططات الإرهاب والتدمير من أجل إشغالها في نفسها وإبعادها عن هموم أمتها.
إن المخطط الذي كشفت عنه أجهزة الأمن السعودية ليس مقتصراً على المملكة العربية السعودية ولكنه يتعداها لتدمير المنطقة برمتها، فعدد 172 متشدداً مع أسلحتهم ليس بالشيء الهين، من هنا جاء التأكيد على دور علماء الأمة ودعاتها ومفكريها وإعلاميها وتربويها من أجل القيام بمسؤولياتهم تجاه الشباب، وتحصينهم من ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب، الأمر الذي يستوجب وضع المناهج والبرامج وإقامة ورش العمل والندوات للكشف عن خطورة هذا الفكر ومروجيه، مع دفع الحجة بالحجة والدليل بالدليل من كتاب الله وسنّة نبيه وأقوال العلماء، إن مسؤوليات المجتمع اليوم تحتم عليهم الدعوة إلى الاعتدال والمساواة والحرية.
إن أجمل ما وصف به إمام الحرم المكي ورئيس مجلس الشورى السعودي الشيخ صالح عبدالله بن حميد هذا العصر في أحدى خطب الجمعة بأنه (قرن الخلاف والتناحر الفكري)، وأن عصر الصحوة في تراجع كبير والسبب خروج فرق التكفير والتبديع والتفسيق للمجتمع، هكذا جاء عن شيخنا ابن حميد، وهو وصف اختزل فيه حال الأمة وما أصابها من ضعف ووهن، فهل نتصدى للفكر التكفيري والإرهابي والغلو والعنف والإقصاء أم نستمر في قرن الخلاف والتناحر والكذب والزور والبهتان الذي يمارسه رويبضة العصر في كياناتهم السياسية ومجالسهم الليلية؟؟.