كتاب " مقالات الوعي الوطني " ، تأليف صلاح بن يوسف الجودر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات الوعي الوطني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مقالات الوعي الوطني
أُمراء الطوائف لا تبكوا على اللبن المسكوب
في أمسية آفاق التلاقي الوطني الذي نظمته جمعية الوفاق بالتنسيق مع جمعية العمل الديمقراطي (وعد) هذه الندوة التي شارك فيها آخرون كممثلين لجمعيات سياسية ذات طابع ديني وليبرالي، حتى اعتبرت أمسية التلاقي من نوادر الأمسيات بين زعماء العمل السياسي وأمراء الطوائف في البحرين(3).
فبعد الزيارة التاريخية التي قام بها الشيخ عبد الأمير الجمري قبل خمسة أعوام لجمعية الإصلاح وما تلاها من زيارات توقف البرنامج، وانقطع التواصل، وظهرت الفجوة، وكثر المشككون من فائدة التلاقي، حتى استفحل الأمر وبرز رويبضة الطائفية بدعواتهم الممجوجة، ليتحركوا كيفما شاؤوا، دون حسيب أو رقيب، اندسوا في تكوينات المجتمع، برلمان وحركة وجمعية وصندوق خيري وناد!!، ليتصيدوا في الماء العكر، بنشر سمومهم الطائفية عند السنّة تارة، وعند الشيعة تارة أخرى، فقاموا بتقسيم المجتمع إلى طوائف ومذاهب ومناطق، والطائفة الواحدة إلى مشارب وجماعات.
لقد تحرك أمراء الطوائف حينما رأوا الطائفيين يجهرون بأفكارهم المريضة، ودعواتهم المسمومة، فتم تنظيم ذلك الملتقى بين أبرز فرقاء العمل السياسي والديني، الذين وضعهم التاريخ في هذا المحك الصعب، فإما أن تترحم عليهم الجماهير وإما أن تلعنهم إلى يوم الدين!، ولعل أبرز ما يمكن تسجيله في تلك الأمسية هو:
حالات المجاملة والخجل السياسي بين المنتديين وعدم ملامسة صميم القضية ولب المشكلة، ولعل السبب في ذلك راجع إلى حالة التخوف من فلتات اللسان التي قد يترجمها الطائفيون ضدهم، وربما بسبب قلة اللقاءات بينهم.
• ضعف الحضور والذي لم يتجاوز العشرات، فأمسية تتناول المساواة والتعايش السلمي واحترام الآخر يكون الحضور فيها كحضور مباراة في دوري الناشئين!!، فإذا ما تمت المقارنة بينها وبين ندوات الاصطفاف الطائفي – وما أكثرها هذه الأيام- فإن هناك فارقاً كبيراً في أعداد المشاركين، فكم من مسيرة ومظاهرة وإعلان عن قيام جمعية أو حركة يتجمع من حولها الآلاف!!.
• من أبرز الاستنتاجات في تلك الأمسية أن خيوط اللعبة السياسية لم تعد بأيدي المنتدين، أو هكذا أحس المجتمعون، فقد تحولت بعض الرموز السياسية مجرد ديكورات تتنقل من مكان لآخر من أجل استرضاء الشارع، فلا تأثير لها في نسيجها السياسي، والسبب أن هناك من يخالفها في التوجه ويمارس معها أسلوب التطهير المباشر.
في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعه من مؤتمرات ولقاءات، فإن المسؤولية اليوم تقع على جميع الفعاليات دون استثناء من أجل تفويت الفرصة على المخطط الأميركي، لذا يجب قراءة المشهد السياسي قراءة متأنية، واستخلاص الدروس والعبر مما يحدث في المحيط الإقليمي وخاصة في العراق، ومن ثم وضع العلاجات الناجعة لوأد تلك النعرات التي بدأت تطل على ساحات الوطن.
لعل أكبر نموذج للمشروع الأميركي في المنطقة هو الحالة العراقية، والذي يكرس الطائفية بين السنّة والشيعة، فيتم عبر الفضائيات المخصصة لبرمجة العقول العربية تدويل النموذج العراقي كاصطفاف طائفي، وتقسيم الأوطان إلى سنّة وشيعة، ولعل المتمعن في الساحة العراقية اليوم يستخلص السبب الرئيسي للاعتداء الآثم على مرقد العسكرين ومن ثم الاعتداء على مساجد المسلمين وقتل الأئمة ورجال الدين، لم يكن ذلك الاعتداء إلا من أجل زرع الفتن بين السنّة والشيعة وهذا ما يسعى إليه المحتل حينما يمارس سياسة (فرق تسد)، من هنا جاءت الحاجة لتنظيم هذا الملتقى والذي يعتبر بداية للخروج من نفق الطائفية المظلم، ودراسة الظاهرة بكل أبعادها.
لقد شهدت ساحات الوطن في الفترة الأخيرة الكثير من الممارسات الطائفية التي لم يعهدها أبناء البحرين، من يافطات وكتب وأشرطة ومسجات وكتابات على الجدران والبيوت ودور العبادة، وتم التصدي لبعضها من خلال بعض المحاضرات الارتجالية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، حتى تصاعدت الوتيرة وانتقلت إلى حقول التعليم، ومراكز الشباب، فها هي عدوى الطائفية تتنقل بكل سهولة ويسر في فصول الدراسة، الأمر الذي سيصيب الجميع بالصدمة حينما يعلم بأن أحد الطلبة قد وجه سؤالاً لمعلمه: هل أنت سني أم شيعي؟، هكذا سيتم قريباً الفرز والاصطفاف الطائفي عند الصغار، فمن المسؤول عن مثل هذه الثقافة؟، ومن المستفيد من برمجة عقول الناشئة طائفياً؟، فهل مناهج وزارة التربية والتعليم فيها ما يعزز ذلك فتتم مراجعتها؟، أم هم فرسان المنابر وأصحاب الأقلام حتى يتم إيقافهم ومحاسبتهم؟، أم هي من تأثيرات الأسرة والمجتمع فيتم تصحيحها؟.
لا شك بأن ما يتناقله الصغار في المدرسة هو من أحد المصادر التي يتلقى منها، إذا ليس من المنطق ولا من العقل أن يتم توجيه سؤال حائر دون أن يكون هناك مصدر أو مصادر؟!، فالمدرسة والمنزل ودور العبادة ومراكز الشباب جميعها أماكن يمكن أن تكون ذات تأثيرات مباشرة للفرز والتصنيف الطائفي!!.
ولكن أشد تلك النزعات هي التي تصدر من أمراء الطوائف، والذين يحلو لهم أحياناً ممارسة هواية ترضية الخواطر واللعب على الحبل، فكم من دعوة للوحدة قابلتها دعوات للاستنهاض الطائفي؟، وكم من برنامج يطالب بحق المواطن في مقابل المطالب الكثيرة باسم الطائفة؟.
إن الدول التي تسعى لتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية يجب عليها أن تبتعد عن ثقافة التشكيك والتخوين، وأن تحترم كل طائفة ذاتها حينما تحترم الطائفة الأخرى بما يكفل للجميع العيش بسلام، ولكن إذا غاب الحوار الوطني وساد الشارع ثقافة الرأي الواحد، والمصدر الواحد، والفكر الواحد حينها يظهر الصراع بين الطوائف ومليشيات الشوارع!!.
من خلال الاتصالات التي تلقيتها في الأيام الماضية اتضح جلياً بأن هناك الكثير من أبناء هذا الوطن يرفضون الممارسات الأحادية الجانب والتي تلقي العقول وتحجر على الأفهام، لا شك أننا جميعاً مع دعوات التعايش السلمي والوحدة الوطنية، ولكن الأجمل هو حينما نتبعها بممارسات حقيقية على أرض الوطن حتى لا تدع لأدعياء الطائفية من (شمة هواء)، فكم من مقال أو عمود قد ألهب ضمائر وهيج قلوباً؟، وكم من نشرة وكتابات على جدران البيوت قد أشعلت أوطاناً وأحرقت مجتمعات؟.
لقد جاءت أمسية آفاق التلاقي الوطني لتؤكد على الأطروحات التي كنا ننادي بها منذ بداية المرحلة الإصلاحية التي دشنها جلالة الملك حينما وضع ميثاق العمل الوطني عام2001م، هذه الأطروحات التي قوبلت في تلك الفترة بشيء من السخرية والاستهزاء من جانب، وبوسائل الإقصاء والإبعاد من جانب آخر!، نعم لا زلنا نعتقد بخلو المجتمع من داء الطائفية، ولا زلنا نراهن على استطاعة أبناء هذا الوطن الغيورين(شيعة وسنّة) بأن يتجاوزوا هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا، ولكن يجب أن لا نغفل عن أمر خطير وهو أن هناك محاولات كبيرة لتغيب الشارع عن آثار الحروب الطائفية التي مرت بها بلدان مثل لبنان، فكم بكينا ونحن نرى القتل في نشرات الأخبار؟، وكم تألمنا ونحن نرى الدمار على صفحات الجرائد؟، فهل يعي من بيده كبريت الطائفية بأنها سوف تبدأ بثوبه قبل أن يلقى إلى النار وبئس المصير؟؟.