كتاب " يوميات آدم وحواء " ، تأليف نزار دندش / نرمين الخنسا ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب يوميات آدم وحواء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

يوميات آدم وحواء
جرب آدم كسرها بواسطة أسنانه، فلم يقدر على ذلك. فجرّب ضربها بيديه، لكنه لم يقدر على كسرها أيضاً. فوضعها في فمه وضم عليها شفتيه، حتى تدلتا إلى الأمام، وبدا عليهما الاحمرار، ثم استعمل يديه لكي يطوّق بهما جذع الشجرة العالية، ونزل بسرعة إلى الأرض، فانتقى حجراً املس وضرب به الجوزة حتى تكسرت، فحملها مكسورة وصعد بها إلى أعلى الشجرة، ثم عرّج على الغصن الذي كانت تقف عليه حواء، فقدم لها هديته الجديدة، لتسحب منها الثمرة وتضع جزءاً منها في فمها، وجزءاً آخر في فم زوجها آدم. وما أن حرّكا فكيهما لطحن الصيدة الجديدة، حتى لاحت بوادر الانشراح على وجهيهما. ومن غير أن يسأل واحدهما الآخر، فهما معاً أن طعم الجوز رائع، وراحا بعد ذلك يسابقان القرود لاصطياد هذه الثمرات اللذيذة.
بدأ آدم يتنقل من غصن إلى آخر، ويجمع ما استطاع من الثمرات في فمه أو في يده اليسرى، ثم يهبط إلى الأرض ليكسرها، ويدعو حواء إلى الوليمة المغرية، أما هي فكانت تحت الشجرة التي يطوف عليها القردة، ترقب الحبّات التي تفلت من أيديهم وتسقط عليها، فتجمعها في مكان واحد ثم تخفيها ببعض أوراق الشجر، وتنتظر قدوم آدم، فتفاجئه بغلّتها، التي تفوق مقدار ما جمع هو من بين الأغصان. ثم يجلسان معاً لينجزا عملية تفريغ حبّات الجوز من ثمراتها.
في اليوم العاشر، صبت السماء ما اختزنته من مياه، وتساقطت حبّات المطر بغزارة وقوة على كل صفحات الأرض، من غير أن تستثني أوراق الشجر التي كانت تتراقص تحت ضربات حبيبات الماء المنهمرة من السماء. ولم ينج الزوجان الواصلان حديثاً إلى الأرض، من ضربات المطر، إذ لم تستطع أوراق الشجر أن تحميهما بل تعرّضا فوق ذلك إلى لفحات الهواء الرطب والبارد، الذي كان يرافق هطل المطر. بدأت حواء تتأفف، بل تحول تأفّفها إلى "نقّ"، فإلى عويل وبكاء. فهي من جهة خافت من المنظر اللامألوف ومن جهة أخرى تبلّلت بكامل تفاصيل جسدها، إلى أن تصببت نقاط الماء من شعرها ومن أطرافها، وراحت تسرح في كل أرجاء جسدها المرتجف. لم يستطع آدم الملهوف على زوجته، والمصدوم بهذه الغارة التي تشنها السماء، إلا أن يضمّ زوجته إلى صدره، محاولاً أن يجعل من جسده مظلّة تقيها غزارة المطر، ومن قلبه مدفأة تدفع عنها البرد والخوف والانزعاج. وعندما لم ينفع صدره في منع المطر من الوصول إلى جسد الزوجة الحبيبة، ولم ينفع قلبه في إزالة الهلع، أسرع الزوج نزولاً من على أغصان الشجرة، وراح يبحث عن كهف كان قد لمحه في أحد النهارات. ولما وجده، عاد مسرعاً فتسلّق الشجرة من جديد، ودعا حواء إلى مرافقته بسرعة إلى المخبأ. رفضت في بداية الأمر، خشية أن تعرّض نفسها لخطر الوحوش في وضح النهار، لكن آدم أقنعها بأنه لم ير من تلك الوحوش وحشاً واحداً، فلربما كانت تهرب عندما يهطل المطر.
سارا معاً بسرعة مشوبة بالحذر، حواء تمسك بذراع زوجها، وآدم يدفع الأشواك تسهيلاً لمرور زوجته، والاثنان يرتجفان، حتى بدا لهما الكون مرتجفاً والأرض غريبة. لكنهما فوجئا بسماحة الحظ ورأفته، حينما لم يجدا في الجوار وحوشاً مخيفة، فكل الأحياء قد اختبأت، فاسحة في المجال لهما كي يتحركا بسلام وطمأنينة.
كان البرق يلمع كضوء الشمس في وضح النهار، والرعد يهدر على امتداد الفسحة التي تفصل الأرض عن السماء، وربما عن كل السماوات، التي كانت تعلو آدم وحواء في تلك اللحظات. وما أن وصلا إلى الكهف بسلام حتى جلسا يسترجعان حلقات التأمل.
- أنظر يا آدم، إلى هذه الخيوط المصنوعة من ماء والتي تمتد من سطح الأرض إلى قبة السماء، فكأن كل الأرض تتصل بكل السماء، ولا ينقصهما إلا عملية جذب، بسيطة لكي تلتصقا.
- حبذا لو تتصلان! حبذا لو تنزل إلى جوارنا السماء، ومعها الشمس، فتصبح كل أيامنا نهارات مضيئة.
- تريد أن تحرمنا النوم يا آدم؟!