أنت هنا

قراءة كتاب الثورة سردية وطنية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثورة سردية وطنية

الثورة سردية وطنية

كتاب " الثورة سردية وطنية " ، تأليف فؤاد خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

من هذا المنطلق، اجتهد «الشركاء في الوطن» في سجالهم السياسي. فكان من الطبيعي أن يتوسع فكرهم الطائفي في حركة اجتهاده، أو أن يخرج مكبوته الأيديولوجي أثناء انكشافه الحقيقي. لذا، ذهب السجال بعد يومي آذار المشهودين، إلى ما هو أبعد من الضرورة الوطنية المطيفة، أي من الحفاظ على موقع أرجحي لفريق، أو المطالبة بالشراكة المتوازنة في الحكم، لآخر...

لقد اندفع المجتهد المسيحي إلى الرد على مقولة الأكثرية والأقلية، بالحديث عن مقولة النوعية والكمية لكي يوجه رسالة إلى شريكه، مفادها: «إن النوع القليل هو أهم وأبقى من الكم الكثير، وذلك لتحدّر الأول من أصول «سلالية» وحضارية صالحة وراقية»، أي مختلفة من حيث طبيعتها عن تلك التي تعود إلى الثاني.. وثمة.. أيضاً من رد بلغة الحسم المعرفي والوثوق العلمي، بأن فئة الأقلية هي التي كان لها الفضل في تأسيس الكيان، أو قصب السبق في علة وجوده. وما على فئة الأكثرية إلا أن تعترف بهذه الحقيقة الدامغة، حتى تقلع عن اعتبار العدد مقياساً للتوازن بين الطوائف في البلد. وبدوره، تأول المجتهد المسلم المشكلة على وجه مكمل للأول. فكان أن وجد في الأكثرية قوة صالحة لصوغ ميثاق الشراكة وفاق توازنات تريح موقعه الأرجحي وتزيد من قوته ومنعته، لا سيّما أن العدد يتنامى لحساب شراكته أكثر فأكثر.

إن قضية العلاقة بين الأكثرية والأقلية، شكلت إلى حد ما حقلاً اختبارياً لتظهير المكبوت الطائفي في إحدى لحظات الصفاء الأيديولوجي التي نتجت من المجرى السجالي الأخير. لقد انكشف على نحو صريح أن الفكر الطائفي هو فكر أنوي، بمعنى أنه متمحور حل ذات طائفية محددة. وبذلك تراه يفتتن بذاته بالدرجة الأولى، بحيث يغالي في تقديرها ويزين مقامها ويعلي من دورها ومكانتها. وهو لا ينزع هذا المنزع إلا على حساب ذات طائفية مغايرة، يقلل من شأنها ويحط من قدرها ويطعن في دروها وينال من مكانتها، ما يعني أن الفكر الطائفي، يختزن في بنيته المعرفية التشوف والاستعلاء والمفاخرة. وتلك سمات تقود إلى العنصرية في نظرة كل ذات طائفية إلى الأخرى.

من هنا، يكون حديث النوع قد أفرج عن ملمح عنصري دفين يتجسد في البقاء للأصلح. ويكون حديث الكم قد انكشف على ميسم استعلائي عميق يتمثل في البقاء للأقوى. ومع البقاء للأصلح والبقاء للأقوى، يقع الفكر الطائفي في داروينية اجتماعية تصطفي القلة «الراقية» تارة، والكثرة «القوية» تارة أخرى...

ومن خلال هذه أو تلك، يعجز الفكر الطائفي في النهاية، عن أن يقدم حلاً ناجعاً ليس لمشكلة الأكثرية والأقلية فحسب، بل أيضاً لأبسط مشكلة قد يتعرّض لها، إذ إن جل ما يفلح فيه هو إما حجب حقيقة المشكلة وإما تزييفها. وبذلك، لا يعود يقوى إلا على إدارة الأزمة، لأنه وليد شرنقة غريزية لا فكاك له من أسر خيوطها الملونة!..

3 ـ في الطائفة والطائفية(***)

لا يستقيم الحديث في اعتقادنا عن علاقة الطوائف بالدولة، من دون أن نقف على مفهوميْ الطائفة والطائفية، لئلا نقع في مزالق فكرية أو سياسية لا تقرها أي نظرة علمية رصينة أو جادة، تحاول الكشف الموضوعي عن حقائق الظاهرة المدروسة أو الحفر العميق على جذور الأزمة البنيوية التي تلازم لبنان منذ الاستقلال إلى اليوم.

الطائفة انتظام مؤسسي لا كيان مستقل(****)

هناك ولا شك نتاج بحثي يكاد يكون موسوعياً، حول مفهومي الطائفة والطائفية في لبنان.... وفي ذاك، تكمن دلالة تعبّر عن عمق الظاهرة الطائفية وتجذرها وعن شمولها وقدرتها الفائقة على التجدد في ميادين شتى. ما يجعلها موضوعاً راهنياً باستمرار على جدول أعمال البحث والكتابة. كما تعبّر في جانب آخر، عن اختلاف الرؤى المنهجية وتعدد الاتجاهات النظرية والأيديولوجية لدى الدارسين والباحثين. لكن أياً يكن الأمر، فإن النتاج المذكور يمكن أن يصنّف في ثلاث رؤى: جوهرانية (ميتافيزيقية) وتاريخية، وبنيوية.

هنا، سوف تقدم المقاربة المتن الأصلي لكل رؤية، أي قوامها النظري الأساسي. ثم نخلص إلى رؤية سوسيولوجية تحاول أن تضيف جديداً معرفياً، أو قولاً مختلفاً في الطائفة والطائفية...

أ ـ في الرؤية الجوهرانية، الطائفة هي كيان مستقل قائم بذاته كأنها جوهر ماهوي لا تتغير طبيعته أو تتبدل مع تغيُّر الظروف والأحوال. وما دامت الطائفة كذلك، يغدو من الطبيعي أن تتعايش أو تتشارك مع الطوائف الأخرى من موقع تجاوري يحفظ كيانها المستقل، أو يصون جوهرها الخاص؛ مثلما يغدو بديهياً أن يعرّف لبنان بأنه بلد أقليات طائفية متشاركة. وبالتالي أن تعرّف الطائفية، بأنها ضمان تمثيل سياسي واجتماعي لتلك الأقليات، أو نظام حكم الطوائف على قواعد عادلة ومتوازنة. وتبعاً لذلك، يتجوهر الكيان اللبناني، بمعنى أنه يتحدد في النظر الميتافيزيقي أو الماهوي كمجتمع طائفي له طبيعة الأشياء، وهي ما ترجع في أصلها إلى ماهية الطائفية بالذات. ومع تحديد كهذا، لا يعود يلائم الكيان إلا نظام سياسي يعكس طبيعة مجتمعه الأصلية، أي نظام طائفي يضمن المشاركة بين طوائفه ويكفل تعايشها بوصفها جواهر أو ماهيات خاصة، أو أشكالاً حضارية مختلفة.

تلك هي فلسفة الصيغة القائمة على العيش المشترك بين الطوائف. وفي ضوئها، كان الفكر الطائفي إبان الجمهورية الأولى، يربط عضوياً بين الكيان والطائفة والنظام، ويرى أن كل تغيير في بنية الأخير، يمسّ بالضرورة وجود الكيان والطائفة في آن...

الصفحات