كتاب " سنوات على غيابك " ، تأليف هند بن جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب سنوات على غيابك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
سنوات على غيابك
مرت الأيام وكنت أراك بشكل شبه يومي في حرم الجامعة، كنت تلقي علي التحية عندما تراني، أو العكس عند رؤيتي لك وأنا في طريقي إلى المحاضرات، أو عندما أراك بالصدفة، كنت تجلس معنا في بعض الأحيان أنا ومريم وجود في مقهى الجامعة كلما كنت قادراً على ذلك.
حدث ما لم يكن متوقعاً ياحمد! أتى اليوم الذي انقلبت فيه حياتي بسببك رأساً على عقب! فبينما كنت أجلس وحيدة في المقهى أقوم بمراجعة دروسي، اقتربت مني، ولأنني كنت وحيدة، ولم أعتد بعد على البقاء وحيدة معك دون وجود مريم وجود معي، تغلغل خوف عميق إلى داخلي، خوف أدى إلى تسارع دقات قلبي إلى درجة تمكنت من سماعها! بقيت في مكاني جامدة، صامتة، أنظر إليك في فزع واستغراب شديدين! صامتة وكأن القطة أكلت لساني! إلى أن بادرت في الحديث بطرحك سؤالاً وجدته استفزازياً نوعاً ما رغم أنك استأذتني إن كان في إمكانك الجلوس على الكرسي في الجهة المقابلة أم لا؟! رغم ملامح الخوف والارتباك التي لونت وجهي بعدة ألوان سمحت لك بالجلوس! وعلى الفور استلقيت مكانك في الجهة المقابلة لتبادرني بسؤال آخر: «اشحالج هدى؟»
أجبتك بصوت مرتجف «الحمدالله أنا ابخير، وانت؟!»
كنت واثقاً يا حمد من الخوف الذي استلبس جسدي بشكل واضح! الخوف الذي لم أفلح في إخفائه عنك أو حتى من السيطرة عليه! أجبتني عن سؤالي وعلى الفور بأنك بخير وكأنك بهذا أردت جاهداً التخفيف من نسبة الخوف! لم يجدِ ذلك نفعاً! قلتها لي يا حمد وبكل صراحة بأنك كنت ترغب في هذا اللقاء منذ وقت طويل! حتى يتسنى لك التحدث معي في الموضوع الشخصي الذي لطالما رغبت في التحدث عنه منذ فترة! لكن وجود مريم وجود الدائم معي حال دون ذلك! وعلى حد قولك لم تجد سبيلاً آخر غير الاستغناء عن إحدى حصص المحاضرات التي يصدف موعدها مع إحدى محاضرات مريم وجود!
خفت كثيراً يا حمد واستغربت وبدأت التخمينات تنهال في رأسي لأتساءل يا ترى ما هو الموضوع؟! لذا سألتك على الفور لأضع حداً لخوفي: «خير يا حمد شو فيه؟!»
قلتها لي يا حمد وبكل صراحة بأنك ترغب في التعرف إلي أكثر وبشكل أعمق! وبأن رغبتك تلك نابعة من إعجابك بي وبأخلاقي! لم أستستغ تلك الكلمة يا حمد! ونظرت إليك في احتقار واشمئزاز شديدين! وسألتك في دهشة لأنني لم أصدق بأن تكون أنت يا حمد من تفوه لسانه بذلك السؤال الذي جرحني وجعلني أشعر بأنني لست سوى فتاة طائشة سهلة المنال بالنسبة إليك وإلى أي شاب يرغب في التسلية لبعض الوقت! رغبت في التأكد وسألتك: تتعرف؟!
رددت محاولاً تهدئتي: «لا تفهميني غلط..............!»
قطعت حديثك بعد أن اشتطت غضباً منك وقلت لك: «لو سمحت اسكت وخلني أتكلم»
تعمدت يا حمد أن أقوم بتغيير نبرات صوتي التي ساندتها بملامح جامدة لتفهم أنني ورغم صغر سني إلّا أنه يوجد هناك خطوط حمراء يستحيل مني تعديها، حتى وإن كنت وحيدة في الغربة، ولكونك تنتمي إلى نفس البلد التي أتيت منها فالأجدر بك أن تتقيد وتحترم عاداتنا وتقاليدنا، وأن لا تحاول استغلال أي فتاة في غربتها، تغربت من أجل أن تتعلم ولتجعل أسرتها سعيدة وفخورة بها.
قاطعتني بصوت أعلى يا حمد استشفيت من خلاله غضبك لتنفي فيه تهمة محاولة استغلالي، وأنكرت بأن تكون من ذلك النوع من الشباب المستهتر، حاولت بهدوء أن تقنعني بنواياك الشريفة لتبدي لي رغبتك في الارتباط بي: «كلها شهرين وبتخرج، وشرات أي ريال أبغي أرتبط وأستقر، وبالنسبة لي ما بحصل أحسن عنج!»
استشفيت الصدق من دفاعك عن نفسك ولكنني بدافع الفضول أردت سماع المزيد منك! وسألتك بحيرة وفضول:
«بس انت بعد شهرين بتتخرج وبترد البلاد، وأنا يدوب توني ابتديت السنه الأولى وحتى ما كملتها!
في الحقيقة أردت أن أسمع منك، كيف استخلصت حكمك بأنني الأفضل؟! كنت صادقة معك يا حمد عندما أضفت ناصحة إياك بعدم الاستعجال في اتخاذ قرارات الزواج.
بديت واثقاً من نفسك يا حمد عندما اعتدلت في جلستك، وحدقت مباشرة في عينيّ، مما جعلني أتراجع بنظراتي، وأقوم وأطرق بصري إلى الطاولة، لم تكن بحاجة إلى نصيحتي يا حمد كما ظننت! فقد اتضح لي عدم استعجالك في اتخاذ قرار الزواج، أخبرتني بأنك كنت قد درست الأمر من كل جوانبه بعد أن تأكدت من أخلاقي، أتذكر عندما مدحت دماثة أخلاقي وحيائي، وأطلعتني على إعجابك بمواظبتي على دراستي واجتهادي، وأثنيت على قدرتي في الحفاظ على نفسي عكس الكثيرات اللواتي ما إن يتغربن في الخارج حتى ينجرفن إلى طريق الانحراف غير آبهين بعائلاتهن، ووطنهم الذي ينتظر منهم التغيير وتطوير المجتمع إلى الأفضل!
فرحت كثيراً بإطرائك وابتسمت لك وشكرتك في نفس الوقت، ولكنني تحدثت إليك بصراحة بأنني لا أفكر حالياً في الزواج لأن أمامي الكثير من الوقت ريثما أنتهي من الأهداف التي أتيت من أجلها إلى الغربة، واقترحت بدلاً من ذلك أن نبقى زملاء واخوة.
لم تستسلم يا حمد وأخبرتني عن عدم ممانعتك في إكمال دراستي والعمل إن رغبت لكن ليس هنا بل في إحدى جامعات دولة الإمارات! شعرت من كلماتك بأنك ترغب في التحكم بمصيري من الآن! وبطبيعتي لا أحب الرجل المتحكم! لذا رفعت رأسي إلى الأعلى ونظرت إليك مندهشة وقلت:
«يا سلام خططت حضرتك؟! وألحين تتشرط على أساس أني وافقت؟! أقول حمد روح عني بليز وانسى هالموضوع وخلنا زملاء وايد أحسن، وألحين عن اذنك أنا بخليك لأن بعد اشوي بيبدا كلاسي»
وفي عجلة قمت بلملمة جميع الأوراق والحاجيات التي تخصني من الطاولة لأتركك وحيداً فيها! التفت عند وصولي إلى الباب لأرى إن غادرتها أم أنك لا تزال قابعاً في مكانك؟! لكنك بقيت قابعاً في مكانك، ورأسك إلى الأسفل تفكر في أمر ما! تجاهلتك ومشيت بخطوات شبه سريعة كي لا أتأخر عن موعد المحاضرة التي ستبدأ بعد ربع ساعة منذ ذلك الوقت، كنت على أمل في أن أنسى ما حدث للتو! ولكنني كأي فتاة يمكن أن تمر في موقف مشابه، لم يكن عقلي في المحاضرة! حتى أنني في ليلتها لم أتمكن من النوم ومن مراجعة دروسي كما يجب!
رغم مرور أسبوع يا حمد، إلّا أنني بقيت على هذه الحالة لأسبوعٍ تقريباً! حتى ان مريم وجود قد لاحظا بأنني متغيرة بعض الشيء، في عالم آخر! وكثيرة السرحان! بالطبع لم تخلو أحاديثهن من بعض التلميحات مثل: «الي ماخذ عقلج يتهنابه»، أو «هاه في ايش سرحانه؟!»، أو «هاه وين رحتي، نحن هنا؟!»
بدأت أفكر جدياً في أمرك يا حمد، خاصة بعد أن باءت جميع محاولاتي بالفشل في نسيانك، وعلى التركيز في دراستي فقط بدلاً من عمل غرامياتٍ لا فائدة منها! إلّا أن وضعي كان صعباً للغاية، فما العيب فيك يا حمد؟! فأنت من عائلة محترمة، وعما قريب ستصبح جامعياً، وستعمل مع والدك في مجال التجارة، أو كما تردد لنا على الدوام في البزنس، فوالدك أحد اشهر وأغنى رجال الأعمال في دبي، ويمتلك عدداً من الشركات العقارية، لم تكن الثروة والأموال التي يمكن أن ترثها من أبيك محط اهتمامي، بل أنت يا حمد نفسك شاب محترم بدليل مصارحتك لي بمشاعرك وعن رغبتك في الارتباط، لذا شعرت بالحزن لتسرعي في الحكم عليك وبعدم إعطائك أية فرصة للبوح فيها بمشاعرك ورغباتك كما تستحق!
في يوم من الأيام حدث ما لم يكن متوقعاً يا حمد، عندما أفقت فجأة من نومي في الساعة الرابعة عصراً على صوت طرقات مريم وجود القوية المستمرة على باب غرفتي بعد يوم متعب وجدول مليء بالمحاضرات التي أنهكتني، وحجبت بصري عن روية أي شيء أمامي عدا سريري في الغرفة!
فتحت لهما الباب لتبادرني مريم وكعادتها بتلميحاتها الغريبة!: «قوووووووه يا العاشقة، الله شكلج ايهبل وانتي توج قاعدة من النوم بثياب المحاضرة والجحال الي نازل على خدج!»